الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ولما كان البكاء قد يكون على التقصير في العمل، بين أن الأمر أخطر من ذلك فقال: وأنتم أي والحال أنكم في حال بكائكم سامدون أي دائبون في العمل جاهدون في العمل، فإن الأمر جد، فالدأب في العمل والجد فيه حينئذ علة للبكاء، فكأنه قيل: ولا تدأبون في العمل فتبكون، وإنما قلت ذلك لأن ("سمد" معناه دأب في العمل ورفع رأسه تكبرا وعلا، وسمدت الإبل: جدت في السير، وسارت سيرا شديدا، واسماد: ورم، وسمد: قام متحيرا وحزن وسر وغفل ولها وقام وحصل ونام واهتم وتكبر وتحير وبطر وأشر، وسمد الأرض: سهلها، وأيضا جعل فيها السماد، أي السرقين، والشعر: استأصله، وهو لك سمدا أي سرمدا، والسميد: الحوارى)، ذكر ذلك مبسوطا القزاز في جامعه وصاحب القاموس. فالمادة كما ترى تدور على انتشارها على الدأب في العمل فتارة بذكر مبدئه الباعث عليه، وتارة الناشئ عنه، وتارة ما بينهما، وهو الجد في العمل، فينطلق الاسم على كل من ذلك تارة حقيقة ومرة بمجاز الأول، وأخرى بمجاز الكون، فالقصد باعث، وكذا الاهتمام والقيام ورفع الرأس ناشئان عنهما، وذلك أوله، والسدم بمعنى الحرص والهم واللهج بالشيء، والسديم: الضباب الرقيق، هو مبدأ الكشف، والمسدم: البعير المهمل وما دبر ظهره، كأنه من الإزالة، وركية سدم: متدفقة - للمعالجة في فتحها، ولأن تدفقها دأب في العمل، وكذا سدم الباب أي ردمه، والدسم: الودك، لأنه منشط على العمل ومنشأ [ ص: 84 ] منه، والوضر والدنس، ودسم المطر الأرض: بلها قليلا، لأنه مبدأ الكثير، والقارورة: سدها، والباب: أغلقه، لأنه يعالج في فتحه، والدسمة: غبرة إلى السواد - كأنه مبدأ السواد والدسيم لما لم يكن أبواه من نوع واحد - كأنه مبدأ لكل نوع منهما ولأنه يلزم الخلط في العادة العلاج، ومنه الدسمة للرديء من الرجال - كأنه لم يكمل فيه النوع، ولأن نقص الشيء عن عادته يلزمه العلاج والفعل بالاختيار، والديسم: الرفيق بالعمل المشفق، وأنا على دسم من الأمر أي طرف منه، والمسد - محركة: المحور من الحديد، لأنه آلة الفتل، وحبل من الليف أو ليف المقل لأنه محل الدأب، والمساد: نحي السمن، ودمسه: دفنه، يصلح أن يكون مبدأ ومقصدا، ومنه دمس بينهم: أصلح لأنه دفن أحقادهم وعالج في ذلك، والدمس: إخفاء الشيء والظلام، لأنه منشئ التعب، ودمس الموضع: درس - للتعب في معرفته، ودمس الإهاب: غطاه ليمشط شعره، والدمس: الشخص، وبالتحريك: ما غطي، والدودمس بالضم: حية مجرنفشة الغلاصيم تنفخ فتحرق ما أصابت بنفخها، ومن آثاره الناشئة عنه الورم، وكذا القيام متحيرا والغفلة والسرور والحزن واللهو والنوم والكبر والتبختر والعلو والعتا، والسميد أي الحوارى، والسمد بمعنى السرمد: والسمد: الهم مع ندم أو الغيظ مع حزن، والديماس: الكن، وما بين ذلك سمد الأرض والشعر والسير الشديد والجد فيه، وهو نفس الدأب، وكذا السديم للكثير الذكر، وماء مسدم وعاشق مسدم: شديد العشق، والدسيم: ظلمة السواد، والدسيم، الكثير الذكر، ودسم البعير: طلاه بالحناء - والمسد: [ ص: 85 ] ادآب السير - وبالتحريك: المضفور المحكم الفتل، ورجل ممسود: مجدول الخلق - شبه به - وهي بهاء، ودمس بينهم: أصلح، وهو من الدفن أيضا لأنه دفن أحقادهم فنبين أن جعل السمود في الآية بمعنى الدأب في العمل هو الأولى، وأن كون الجملة حالا من جعلها معطوفة على " تضحكون " - انتهى والله أعلم.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية