الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
باب مصالحة المرأة وزوجها قال الله تعالى : وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحا قيل في معنى النشوز إنه الترفع عليها لبغضه إياها ، مأخوذ من نشز الأرض وهي المرتفعة .

وقوله : أو إعراضا يعني لموجدة أو أثرة ، فأباح الله لهما الصلح ، فروي عن علي وابن عباس أنه أجاز لهما أن يصطلحا على ترك بعض مهرها أو بعض أيامها بأن تجعله لغيرها . وقال عمر : " ما اصطلحا عليه من شيء فهو جائز " .

وروى سماك عن عكرمة عن ابن عباس قال : " خشيت سودة أن يطلقها النبي صلى الله عليه وسلم فقالت : يا رسول الله لا تطلقني وأمسكني واجعل يومي لعائشة ففعل فنزلت هذه الآية : وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا الآية ؛ فما اصطلحا عليه من شيء فهو جائز "

وقال هشام [ ص: 270 ] بن عروة عن أبيه عن عائشة أنها نزلت في المرأة تكون عند الرجل ويريد طلاقها ويتزوج غيرها فتقول : أمسكني ولا تطلقني ، ثم تزوج وأنت في حل من النفقة والقسمة لي ، فذلك قوله تعالى : فلا جناح عليهما إلى قوله تعالى : والصلح خير . وعن عائشة من طرق كثيرة : أن سودة وهبت يومها لعائشة فكان النبي صلى الله عليه وسلم يقسم به لها .

قال أبو بكر : فهذه الآية دالة على وجوب القسم بين النساء إذا كان تحته جماعة ، وعلى وجوب الكون عندها إذا لم تكن عنده إلا واحدة وقضى كعب بن سور بأن لها يوما من أربعة أيام بحضرة عمر ، فاستحسنه عمر وولاه قضاء البصرة .

وأباح الله أن تترك حقها من القسم وأن تجعله لغيرها من نسائه ، وعموم الآية يقتضي جواز اصطلاحهما على ترك المهر والنفقة والقسم وسائر ما يجب لها بحق الزوجية ، إلا أنه إنما يجوز لها إسقاط ما وجب من النفقة للماضي ، فأما المستقبل فلا تصح البراءة منه ؛ وكذلك لو أبرأت من الوطء لم يصح إبراؤها وكان لها المطالبة بحقها منه ؛ وإنما يجوز بطيب نفسها بترك المطالبة بالنفقة وبالكون عندها ، فأما أن تسقط ذلك في المستقبل بالبراءة منه فلا . ولا يجوز أيضا أن يعطيها عوضا على ترك حقها من القسم أو الوطء ؛ لأن ذلك أكل مال بالباطل ، أو ذلك حق لا يجوز أخذ العوض عنه ؛ لأنه لا يسقط مع وجود السبب الموجب له وهو عقد النكاح ، وهو مثل أن تبرئ الرجل من تسليم العبد المهر فلا يصح لوجود ما يوجبه وهو العقد .

فإن قيل فقد أجاز أصحابنا أن يخلعها على نفقة عدتها فقد أجازوا البراءة من نفقة لم تجب بعد مع وجود السبب الموجب لها وهي العدة .

قيل له : لم يجيزوا البراءة من النفقة ، ولا فرق بين المختلعة والزوجة في امتناع وقوع البراءة من نفقة لم تجب بعد ؛ ولكنه إذا خالعها على نفقة العدة فإنما جعل الجعل مقدار نفقة العدة ، والجعل في الخلع يجوز فيه هذا القدر من الجهالة ، فصار ذلك في ضمانها بعقد الخلع ، ثم ما يجب لها بعد من نفقة العدة في المستقبل يصير قصاصا بماله عليها وقد دلت الآية على جواز اصطلاحهما من المهر على ترك جميعه أو بعضه أو على الزيادة عليه ؛ لأن الآية لم تفرق بين شيء من ذلك وأجازت الصلح في سائر الوجوه .

التالي السابق


الخدمات العلمية