الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ ص: 1780 ] أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم ولولا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان إلا قليلا فقاتل في سبيل الله لا تكلف إلا نفسك وحرض المؤمنين عسى الله أن يكف بأس الذين كفروا والله أشد بأسا وأشد تنكيلا من يشفع شفاعة حسنة يكن له نصيب منها ومن يشفع شفاعة سيئة يكن له كفل منها وكان الله على كل شيء مقيتا وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها إن الله كان على كل شيء حسيبا الله لا إله إلا هو ليجمعنكم إلى يوم القيامة لا ريب فيه ومن أصدق من الله حديثا

                                                          * * *

                                                          في الآيات السابقة بين الله تعالى لنبيه -صلى الله عليه وسلم- أحوال المنافقين، وما هم عليه من لؤم الطبع والمكر والخداع، ثم أمره -صلى الله عليه وسلم- بالإعراض عنهم، فهم لن يضروه شيئا مهما كان لؤمهم وخداعهم، وما عليه إلا أن يتوكل على الله، فهو حسبه، وسيكفيه شرهم، ولن يبلغوا منه شيئا. [ ص: 1781 ] وفي هذه الآيات لا يزال الكلام عن المنافقين متصلا، فالله سبحانه وتعالى يعيب عليهم حالهم في عدم تدبر القرآن الكريم والتفكر في معانيه; لأن التدبر في القرآن يجعلهم يفكرون في عاقبة أمرهم، ويستيقظون من سباتهم الذي يملك عليهم نفوسهم، ويتجسد أمام بصائرهم ما سوف ينالهم من جزاء يوم القيامة.

                                                          وهم لو تدبروا القرآن لرأوا فيه العجب العجاب، ولتبين لهم أن هذا الكتاب منزل من الله رب العالمين، وأن محمدا عبد الله ورسوله.

                                                          فالقرآن الكريم يحمل بين جنباته دلائل صدقه، وبراهين أنه من لدن حكيم حميد، إذ لو كان من عند غير الله لوجدوا فيه تناقضا في القضايا، واختلافا في الألفاظ، وتضاربا في المعاني، ولضربت الآيات بعضها بعضا; لأن الإنسان من البشر إذا تكلم بكلام كثير، لا بد أن يوجد في كلامه اختلاف، لاختلاف مزاجه بين الحين والحين، ولما يعتوره من الصحة والمرض، ولاختلاف مواقفه في الزمان والمكان، فيظهر ذلك كله في صورة تناقض في اللفظ أو الوصف، أو في المعاني، أو الصدق والكذب إلى غير ذلك من صور الاختلاف.

                                                          ولكن القرآن الكريم بين أيديهم، فليتدبروه حق التدبر، فلن يجدوا فيه اختلافا في وصف، ولا ردا في معنى، ولا تناقضا في قضاياه، ولا كذبا فيما يخبر به من أمور الغيب، ولكنهم بإعراضهم عن التدبر، يظلون كالأنعام بل هم أضل، قد أغلقوا قلوبهم عن الهدى، وأصموا آذانهم عن صوت البشير النذير، فما لهم لا يعقلون، أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها [محمد]، فهم لا يفقهون.

                                                          * * *

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية