الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                صفحة جزء
                                                                                4837 ( 59 ) ما قالوا في عدل الوالي وقسمه قليلا كان أو كثيرا

                                                                                ( 1 ) حدثنا محمد بن فضيل عن هارون بن عنترة عن أبيه قال : كان أبي صديقا لقنبر ، قال : انطلقت مع قنبر إلى علي فقال : يا أمير المؤمنين ، قم معي ، قد خبأت لك خبيئة ، فانطلق معه إلى بيته ، فإذا أنا بسلة مملوءة جامات من ذهب وفضة ، فقال : يا أمير المؤمنين ، إنك لا تترك شيئا إلا قسمته أو أنفقته ، فسل سيفه فقال : ويلك ، لقد أحببت أن تدخل بيتي نارا كبيرة ثم استعرضها بسيفه فضربها فانتثرت بين إناء مقطوع نصفه وثلثه ، قال : علي بالعرفاء فجاءوا فقال : اقسموا هذه بالحصص ، قال ففعلوا وهو يقول : يا صفراء يا بيضاء غري غيري ، قال : وجعل يقول :

                                                                                هذا جناي وخياره فيه إذ كل جان يده إلى فيه

                                                                                قال : في بيت المال مسال وإبر ، وكان يأخذ من كل قوم خراجهم من عمل أيديهم ، قال : وقال للعرفاء : اقسموا هذا ، قالوا : لا حاجة لنا فيه ، قال : والذي نفسي بيده ، لأقسمنه خيره مع شره [ ص: 622 ]

                                                                                ( 2 ) حدثنا أبو أسامة عن الحسن بن الحكم النخعي قال : حدثتني أمي عن أم عفان أم ولد لعلي قالت : جئت عليا وبين يديه قرنفل مكبوب في الرحبة ، فقلت : يا أمير المؤمنين ، هب لابنتي من هذا القرنفل قلادة ، فقال : هكذا ، ونقر بيده ارمي درهما ، فإنما هذا مال المسلمين ، وإلا فاصبري حتى يأتي حظنا منه لنهب لابنتك قلادة .

                                                                                ( 3 ) حدثنا أبو معاوية قال ثنا الأعمش عن عمرو بن مرة عن أبي صالح الذي كان يخدم أم كلثوم بنت علي ، قال : قالت : يا أبا صالح ، كيف لو رأيت أمير المؤمنين وأتي بأترج ، فذهب حسن وحسين يتناول منه أترجة ، فانتزعها من يده ، وأمر به فقسمها بين الناس .

                                                                                ( 4 ) حدثنا عبد العزيز بن عبد الصمد القمي عن مالك بن دينار عن الحسن أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم زمام شعر من الفيء ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يسألني زماما من النار ، ما كان ينبغي لك أن تسألنيه وما ينبغي لي أن أعطيكه .

                                                                                ( 5 ) حدثنا وكيع قال ثنا شريك عن إبراهيم بن المهاجر عن قيس بن أبي حازم الأحمسي قال : أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل بكبة من شعر من الغنيمة فقال : يا رسول الله ، هبها لي فأنا أهل بيت يعالج الشعر ، قال نصيبي منها لك .

                                                                                ( 6 ) حدثنا يزيد بن هارون قال أخبرنا ابن أبي ذئب عن العباس بن فضيل عن عبيد الله بن أبي رافع عن جده أبي رافع قال : كنت خازنا لعلي ، قال : زينت ابنته بلؤلؤة من المال قد عرفها ، فرآها عليها ، فقال : من أين لها هذه ، إن لله علي أن أقطع يدها ، قال : فلما رأيت ذلك قلت : يا أمير المؤمنين ، زينت بها بنت أخي ، ومن أين كانت تقدر عليها ؟ فلما رأى ذلك سكت .

                                                                                ( 7 ) حدثنا وكيع قال ثنا عبد الرحمن بن عجلان البرجمي عن جدته قالت : كان علي يقسم فينا الأنوار بصرر : صرة الكمون والحرث وكذا وكذا .

                                                                                ( 8 ) حدثنا وكيع قال ثنا ربيع بن حسان عن أمه قالت : كان علي يقسم فينا الورس والزعفران ، قال : فدخل علي الحجرة مرة فرأى حبا منثورا ، فجعل يلتقط ويقول : شبعتم يا آل علي [ ص: 623 ]

                                                                                ( 9 ) حدثنا وكيع قال ثنا سفيان عن سعيد بن عبيد عن شيخ لهم أن عليا أتي برمان فقسمه بين الناس ، فأصاب مسجدنا سبع رمانات أو ثمان رمانات .

                                                                                ( 10 ) حدثنا وكيع قال ثنا إسماعيل بن أبي خالد عن أبيه قال : أتي علي بدنان طلاء من غابات فقسمها بين المسلمين .

                                                                                ( 11 ) حدثنا يزيد بن هارون قال أخبرنا عيينة بن عبد الرحمن بن جوشن عن أبيه عن عبد الرحمن بن أبي بكرة قال : لما رزأ علي من بيت مالنا حتى فارقنا إلا جبة محشوة وخميصة دار بجردية .

                                                                                ( 12 ) حدثنا وكيع عن الأعمش عن أبي وائل عن مسروق عن عائشة قالت : لما مرض أبو بكر مرضه الذي مات فيه قال : انظروا ما زاد في مالي منذ دخلت الإمارة فابعثوا به إلى الخليفة من بعدي ، فإني قد كنت أستحله وقد كنت أصيب من الودك نحوا مما كنت أصيب في التجارة ، قالت : فلما مات نظرنا فإذا عبد نوبي كان يحمل الصبيان ، وإذا ناضح كان يسني عليه ، فبعثنا بهما إلى عمر ، قالت : فأخبرني جدي تعني : وكيلي أن عمر بكى وقال : رحمة الله على أبي بكر ، لقد أتعب من بعده تعبا شديدا .

                                                                                ( 13 ) حدثنا يزيد بن هارون قال أخبرنا هشام عن ابن سيرين عن الأحنف بن قيس قال : كنا جلوسا بباب عمر فخرجت جارية فقلنا : سرية عمر فقالت : إنها ليست سرية لعمر ، إني لا أحل لعمر ، إني من مال الله فتذاكرنا بيننا ما يحل له من مال الله ، قال : فرقى ذلك إليه ، فأرسل إلينا فقال : ما كنتم تذاكرون فقلنا : خرجت علينا جارية ، فقلنا : هذه سرية عمر ، فقالت : إنها لست بسرية عمر ، إنها لا تحل لعمر ، إنها من مال الله ، فتذاكرنا ما بيننا ما يحل لك من مال الله فقال : أنا أخبركم بما أستحل من مال الله : حلة الشتاء والقيظ ، وما أحج عليه وما أعتمر من الظهر ، وقوت أهلي كرجل من قريش ، ليس بأغناهم ولا بأفقرهم ، أنا رجل من المسلمين يصيبني ما أصابهم .

                                                                                ( 14 ) حدثنا وكيع قال ثنا المسعودي عن محارب بن دثار عن الأحنف بن قيس أنهم كانوا جلوسا بباب عمر ، فخرجت عليهم جارية فقال لها بعض القوم : أنطول أمير [ ص: 624 ] المؤمنين ، قالت : إني لا أحل له ، يعني أنها من الخمس ، فخرج عمر فقال : أتدرون ما أستحل من هذا الفيء ؟ ظهرا أحج عليه وأعتمر ، وحلتين : حلة الشتاء والصيف ، وقوت آل عمر قوت أهل بيت رجل من قريش ليسوا بأرفعهم ولا بأخسهم .

                                                                                ( 15 ) حدثنا وكيع قال ثنا سفيان عن أبي إسحاق عن حارثة بن مضرب العبدي قال : قال عمر : إني أنزلت نفسي من مال الله منزلة مال اليتيم ، إن استغنيت منه استعففت ، وإن افتقرت أكلت بالمعروف .

                                                                                ( 16 ) حدثنا عبد الله بن المبارك قال ثنا أبان بن عبد الله البجلي قال حدثني عمرو بن أخي علي عن علي قال : قال علي : مررت على رسول الله صلى الله عليه وسلم بإبل من إبل الصدقة فأخذ وبرة من ظهر بعير ، فقال : ما يحل لي من غنائمكم ما يزن هذه إلا الخمس وهو مردود عليكم .

                                                                                ( 17 ) حدثنا عبد الله بن نمير عن سفيان عن الأسود بن قيس عن نبيح قال : اشترى ابن عمر بعيرين فألقاهما في إبل الصدقة فسمنا وعظما ، وحسنت هيئتهما قال : فرآهما عمر فأنكر هيئتهما فقال : لمن هذان ؟ قالوا : لعبد الله بن عمر فقال : بعهما وخذ رأس مالك ، ورد الفضل في بيت المال .

                                                                                ( 18 ) حدثنا أبو معاوية عن عاصم عن أبي عثمان قال : لما قدم عتبة أذربيجان بالخبيص فذاقه فوجده حلوا ، فقال : لو صنعتم لأمير المؤمنين من هذا ، قال : فجعل له سفطين عظيمين ، ثم حملهما على بعير مع رجلين فبعث بهما إليه ، فلما قدما على عمر قال : أي شيء هذا ؟ قال : هذا خبيص ، فذاقه فإذا هو حلو ، فقال : أكل المسلمين يشبع من هذا في رحله ؟ قالوا : لا ، قال : فردهما ، ثم كتب إليه : أما بعد ، فإنه ليس من كدك ولا من كد أبيك ولا من كد أمك أشبع المسلمين مما تشبع منه في رحلك [ ص: 625 ]

                                                                                ( 19 ) حدثنا وكيع قال ثنا إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم قال : حدثني عتبة بن فرقد السلمي قال : قدمت على عمر بن الخطاب بسلال خبيص عظام مملوءة ، لم أر أحسن منه ، فقال ما هذه ؟ فقلت : طعام أتيتك به ، إنك تقضي من حاجات الناس أول النهار ، فإذا رجعت أصبت منه ، قال : اكشف عن سلة منها ، قال : فكشفت ، قال : عزمت عليك إذا رجعت ألا رزقت كل رجل من المسلمين منها سلة قال : قلت : والذي يصلحك يا أمير المؤمنين ، لو أنفقت مال قيس كله ما بلغ ذلك ، قال : فلا حاجة لي فيه ، ثم دعا بقصعة فيها ثريد من خبز خشن ولحم غليظ وهو يأكل معي أكلا شهيا ، فجعلت أهوي إلى البضعة البيضاء أحسبها سناما فألوكها فإذا هي عصبة ، وآخذ البضعة من اللحم فأمضغها فلا أكاد أسيغها ، فإذا غفل عني جعلتها بين الخوان والقصعة ، ثم قال : يا عتبة ، إنا ننحر كل يوم جزورا ، فأما ودكها وأطائبها فلمن حضر من آفاق المسلمين ، وأما عنقها فلآل عمر .

                                                                                ( 20 ) حدثنا حسن بن علي عن زائدة عن سليمان عن زيد بن وهب عن حذيفة قال : مررت والناس يأكلون ثريدا ولحما ، فدعاني عمر إلى طعامه ، فإذا هو يأكل خبزا وزيتا فقلت : منعتني أن آكل مع الناس الثريد ، ودعوتني إلى هذا ؟ قال : إنما دعوتك لطعامي ، وذاك للمسلمين .

                                                                                التالي السابق


                                                                                الخدمات العلمية