الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      فأما إن كان من المقربين إلى آخره شروع في بيان حال المتوفى بعد الممات إثر بيان حاله عند الوفاة وضمير ( كان ) للمتوفى المفهوم مما مر أي فأما إن كان المتوفى الذي بين حاله من السابقين من الأزواج الثلاثة عبر عنهم بأجل أوصافهم فروح أي فله روح على أنه مبتدأ خبره محذوف مقدم عليه لأنه نكرة ، وقيل : خبر مبتدأ محذوف أي فجزاؤه روح أي استراحة ، والفاء واقعة في جواب أما ، قال بعض الأجلة : تقدير هذا الكلام مهما يكن من شيء فروح إلخ إن كان من المقربين فحذف مهما يكن من شيء ، وأقيم أما مقامه ولم يحسن أن يلي الفاء أما ، فأوقع الفصل بين أما والفاء بقوله سبحانه : إن كان من المقربين لتحسين اللفظ كما يقع الفصل بينهما بالظرف والمفعول ، والفاء في فروح وأخويه جواب أما دون ( إن) ، وقال أبو البقاء : جواب أما فروح ، وأما ( إن ) فاستغنى بجواب أما عن جوابها لأنه يحذف كثيرا ، وفي البحر أنه إذا اجتمع شرطان فالجواب للسابق منهما ، وجواب الثاني محذوف ، فالجواب ها هنا لأما ، وهذا مذهب سيبويه .

                                                                                                                                                                                                                                      وذهب الفارسي إلى أن المذكور جواب ( إن ) وجواب أما محذوف ، وله قول آخر موافق لمذهب سيبويه .

                                                                                                                                                                                                                                      وذهب الأخفش إلى أن المذكور جواب لهما معا ، وقد أبطلنا المذهبين في شرح التسهيل انتهى ، والمشهور أنه لا بد من لصوق الاسم - لأما - وهو عند الرضي وجماعة أكثري لهذه الآية ، والذاهبون إلى الأول قالوا : هي بتقدير فأما المتوفى إن كان وتعقب بأنه لا يخفى أن التقدير مستغنى عنه ولا دليل عليه إلا اطراد الحكم ، ثم إن كون - أما - قائمة مقام مهما يكن أغلبي إذ لا يطرد في نحو أما قريشا فأنا أفضلها إذ التقدير مهما ذكرت قريشا [ ص: 160 ] فأنا أفضلها ، وتمام الكلام في هذا المقام يطلب من كتب العربية .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الإمام أحمد والبخاري في تاريخه وأبو داود والنسائي والترمذي وحسنه والحاكم وصححه وآخرون عن عائشة رضي الله تعالى عنها أنها سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم يقرأ «فروح » بضم الراء ، وبه قرأ ابن عباس وقتادة ونوح القاري والضحاك والأشهب وشعيب وسليمان التيمي والربيع بن خيثم ومحمد بن علي وأبو عمران الجوني والكلبي وفياض وعبيد وعبد الوارث عن أبي عمرو ويعقوب بن حسان وزيد ورويس عنه والحسن وقال : «الروح » الرحمة لأنها كالحياة للمرحوم ، أو سبب لحياته الدائمة فإطلاقه عليها من باب الاستعارة أو المجاز المرسل ، وروي هذا عن قتادة أيضا . وقال ابن جني : معنى هذه القراءة يرجع إلى معنى الروح فكأنه قيل : فله ممسك روح وممسكها هو الروح كما تقول : الهواء هو الحياة وهذا السماع هو العيش ، وفسر بعضهم الروح بالفتح بالرحمة أيضا كما في قوله تعالى : ولا تيأسوا من روح الله [يوسف : 87] وقيل : هو بالضم البقاء وريحان أي ورزق كما روي عن ابن عباس ومجاهد والضحاك ، وفي رواية أخرى عن الضحاك أنه الاستراحة ، وأخرج عبد بن حميد عن الحسن أنه قال : هو هذا الريحان أي المعروف .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير عنه أنه قال : تخرج روح المؤمن من جسده في ريحانة : ثم قرأ فأما إن كان إلخ .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن أبي العالية قال : لم يكن أحد من المقربين يفارق الدنيا حتى يؤتى بغصنين من ريحان الجنة فيشمهما ثم يقبض وجنت نعيم أي ذات تنعم فالإضافة لامية أو لأدنى ملابسة ، وهذا إشارة إلى مكان المقربين بحيث يلزم منه أن يكونوا أصحاب نعيم .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الإمام أحمد في الزهد وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر عن الربيع بن خيثم قال في قوله تعالى : فأما إن كان من المقربين فروح وريحان : هذا له عند الموت ، وفي قوله تعالى : وجنت نعيم تخبأ له الجنة إلى يوم يبعث ولينظر ما المراد بالريحان على هذا ، وعن بعض السلف ما يقتضي أن يكون الكل في الآخرة .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية