الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          ضعف

                                                          ضعف : الضعف : والضعف : خلاف القوة ، وقيل : الضعف ، بالضم ، في الجسد ، والضعف ، بالفتح ، في الرأي والعقل ، وقيل : هما معا جائزان في كل وجه ، وخص الأزهري بذلك أهل البصرة فقال : هما عند أهل البصرة سيان يستعملان معا في ضعف البدن وضعف الرأي . وفي التنزيل : الله الذي خلقكم من ضعف ثم جعل من بعد ضعف قوة ثم جعل من بعد قوة ضعفا ; قال قتادة : خلقكم من ضعف قال : من النطفة أي من المني ثم جعل من بعد قوة ضعفا ، قال : الهرم ; وروي عن ابن عمر أنه قال : قرأت على النبي - صلى الله عليه وسلم - الله الذي خلقكم من ضعف فأقرأني من ضعف ، بالضم ، وقرأ عاصم وحمزة : وعلم أن فيكم ضعفا ، بالفتح ، وقرأ ابن كثير و أبو عمرو ونافع وابن عامر والكسائي بالضم ، وقوله تعالى : وخلق الإنسان ضعيفا ; أي يستميله هواه . والضعف : لغة في الضعف ; عن ابن الأعرابي ; وأنشد :


                                                          ومن يلق خيرا يغمز الدهر عظمه على ضعف من حاله وفتور

                                                          فهذا في الجسم ; وأنشد في الرأي والعقل :


                                                          ولا أشارك في رأي أخا ضعف     ولا ألين لمن لا يبتغي ليني

                                                          وقد ضعف يضعف ضعفا وضعفا وضعف ، الفتح عن اللحياني ، فهو ضعيف ، والجمع ضعفاء وضعفى وضعاف وضعفة وضعافى ; الأخيرة عن ابن جني ; وأنشد :


                                                          ترى الشيوخ الضعافى حول جفنته     وتحتهم من محاني دردق شرعه

                                                          ونسوة ضعيفات وضعائف وضعاف ; قال :


                                                          لقد زاد الحياة إلي حبا     بناتي ، إنهن من الضعاف

                                                          وأضعفه وضعفه : صيره ضعيفا . واستضعفه وتضعفه : وجده ضعيفا فركبه بسوء ; الأخيرة عن ثعلب ; وأنشد :


                                                          عليكم بربعي الطعان ، فإنه     أشق على ذي الرثية المتضعف

                                                          ربعي الطعان : أوله وأحده . وفي إسلام أبي ذر : لتضعفت رجلا ; أي استضعفته ; قال القتيبي : قد تدخل استفعلت في بعض حروف تفعلت نحو تعظم واستعظم وتكبر واستكبر وتيقن واستيقن وتثبت واستثبت . وفي الحديث : أهل الجنة كل ضعيف متضعف ; قال ابن الأثير : يقال : تضعفته واستضعفته بمعنى للذي يتضعفه الناس ويتجبرون عليه في الدنيا للفقر ورثاثة الحال . وفي حديث عمر - رضي الله عنه - : غلبني أهل الكوفة ، أستعمل عليهم المؤمن فيضعف ، [ ص: 45 ] وأستعمل عليهم القوي فيفجر . وأما الذي ورد في الحديث حديث الجنة : ما لي لا يدخلني إلا الضعفاء ؟ ; قيل : هم الذين يبرئون أنفسهم من الحول والقوة ; والذي في الحديث : اتقوا الله في الضعيفين يعني المرأة والمملوك . والضعفة : ضعف الفؤاد وقلة الفطنة . ورجل مضعوف : به ضعفة . ابن الأعرابي : رجل مضعوف ومهبوت إذا كان في عقله ضعف . ابن بزرج : رجل مضعوف وضعوف وضعيف ، ورجل مغلوب وغلوب ، وبعير معجوف وعجوف وعجيف وأعجف ، وناقة عجوف وعجيف ، وكذلك امرأة ضعوف ، ويقال للرجل الضرير البصر : ضعيف . والمضعف : أحد قداح الميسر التي لا أنصباء لها كأنه ضعف عن أن يكون له نصيب . وقال ابن سيده أيضا : المضعف الثاني من القداح الغفل التي لا فروض لها ولا غرم عليها ، إنما تثقل بها القداح كراهية التهمة ; هذه عن اللحياني ، واشتقه قوم من الضعف وهو الأولى . وشعر ضعيف عليل ، استعمله الأخفش في كتاب القوافي فقال : وإن كانوا قد يلزمون حرف اللين الشعر الضعيف العليل ليكون أتم له وأحسن . وضعف الشيء : مثلاه ، وقال الزجاج : ضعف الشيء مثله الذي يضعفه ، وأضعافه أمثاله . وقوله تعالى : إذا لأذقناك ضعف الحياة وضعف الممات ; أي ضعف العذاب حيا وميتا ، يقول : أضعفنا لك العذاب في الدنيا والآخرة ; وقال الأصمعي في قول أبي ذؤيب :


                                                          جزيتك ضعف الود ، لما استبنته     وما إن جزاك الضعف من أحد قبلي

                                                          معناه أضعفت لك الود وكان ينبغي أن يقول ضعفي الود . وقوله عز وجل : فآتهم عذابا ضعفا من النار ; أي عذابا مضاعفا; لأن الضعف في كلام العرب على ضربين : أحدهما المثل ، والآخر أن يكون في معنى تضعيف الشيء . قال تعالى : لكل ضعف ; أي للتابع والمتبوع ; لأنهم قد دخلوا في الكفر جميعا ، أي لكل عذاب مضاعف . وقوله تعالى : فأولئك لهم جزاء الضعف بما عملوا ; قال الزجاج : جزاء الضعف هاهنا عشر حسنات ، تأويله : فأولئك لهم جزاء الضعف الذي قد أعلمناكم مقداره ، وهو قوله عز وجل : من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها قال : ويجوز : فأولئك لهم جزاء الضعف أي أن نجازيهم الضعف ، والجمع أضعاف ، لا يكسر على غير ذلك . وأضعف الشيء وضعفه وضاعفه : زاد على أصل الشيء وجعله مثليه أو أكثر ، وهو التضعيف والإضعاف ، والعرب تقول : ضاعفت الشيء وضعفته بمعنى واحد ; ومثله امرأة مناعمة ومنعمة وصاعر المتكبر خده وصعره وعاقدت وعقدت وعاقبت وعقبت . ويقال : ضعف الله تضعيفا أي جعله ضعفا . وقوله تعالى : وما آتيتم من زكاة تريدون وجه الله فأولئك هم المضعفون ; أي يضاعف لهم الثواب ; قال الأزهري : معناه الداخلون في التضعيف أي يثابون الضعف الذي قال الله تعالى : أولئك لهم جزاء الضعف بما عملوا ; يعني من تصدق يريد وجه الله جوزي بها صاحبها عشرة أضعافها ، وحقيقته ذوو الأضعاف . وتضاعيف الشيء : ما ضعف منه وليس له واحد ، ونظيره في أنه لا واحد له تباشير الصبح لمقدمات ضيائه ، وتعاشيب الأرض لما يظهر من أعشابها أولا ، وتعاجيب الدهر لما يأتي من عجائبه . وأضعفت الشيء ، فهو مضعوف ، والمضعوف : ما أضعف من شيء ، جاء على غير قياس ; قال لبيد :

                                                          وعالين مضعوفا ودرا سموطه جمان ومرجان يشك المفاصلا قال ابن سيده : وإنما هو عندي على طرح الزائد كأنهم جاءوا به على ضعف . وضعف الشيء : أطبق بعضه على بعض وثناه فصار كأنه ضعف ، وقد فسر بيت لبيد بذلك أيضا . وعذاب ضعف : كأنه ضوعف بعضه على بعض . وفي التنزيل : يانساء النبي من يأت منكن بفاحشة مبينة يضاعف لها العذاب ضعفين ، وقرأ أبو عمرو : يضعف ; قال أبو عبيد : معناه يجعل الواحد ثلاثة أي تعذب ثلاثة أعذبة ، وقال : كان عليها أن تعذب مرة فإذا ضوعف ضعفين صار العذاب ثلاثة أعذبة ; قال الأزهري : هذا الذي قاله أبو عبيد هو ما تستعمله الناس في مجاز كلامهم وما يتعارفونه في خطابهم ، قال : وقد قال الشافعي ما يقارب قوله في رجل أوصى فقال : أعطوا فلانا ضعف ما يصيب ولدي ، قال : يعطى مثله مرتين ، قال : ولو قال : ضعفي ما يصيب ولدي نظرت ، فإن أصابه مائة أعطيته ثلاثمائة ، قال : وقال الفراء شبيها بقولهما في قوله تعالى : يرونهم مثليهم رأي العين ، قال : والوصايا يستعمل فيها العرف الذي يتعارفه المخاطب والمخاطب وما يسبق إلى أفهام من شاهد الموصي فيما ذهب وهمه إليه ، قال : كذلك روي عن ابن عباس وغيره ، فأما كتاب الله - عز وجل - فهو عربي مبين يرد تفسيره إلى موضوع كلام العرب الذي هو صيغة ألسنتها ، ولا يستعمل فيه العرف إذا خالفته اللغة ; والضعف في كلام العرب : أصله المثل إلى ما زاد ، وليس بمقصور على مثلين ، فيكون ما قاله أبو عبيد صوابا ، يقال : هذا ضعف هذا أي مثله ، وهذا ضعفاه أي مثلاه ، وجائز في كلام العرب أن تقول هذا ضعفه أي مثلاه وثلاثة أمثاله ; لأن الضعف في الأصل زيادة غير محصورة ، ألا ترى قوله تعالى : فأولئك لهم جزاء الضعف بما عملوا ؟ لم يرد به مثلا ولا مثلين وإنما أراد بالضعف الأضعاف ، وأولى الأشياء به أن نجعله عشرة أمثاله لقوله سبحانه : من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ومن جاء بالسيئة فلا يجزى إلا مثلها فأقل الضعف محصور وهو المثل ، وأكثره غير محصور . وفي الحديث : تضعف صلاة الجماعة على صلاة الفذ خمسا وعشرين درجة ; أي تزيد عليها . يقال : ضعف الشيء يضعف إذا زاد وضعفته وأضعفته وضاعفته بمعنى . وقال أبو بكر في قوله تعالى : أولئك لهم جزاء الضعف : المضاعفة ، فألزم الضعف التوحيد ; لأن المصادر ليس سبيلها التثنية والجمع ; وفي حديث أبي الدحداح وشعره :


                                                          إلا رجاء الضعف في المعاد

                                                          أي مثلي الأجر ; فأما قوله تعالى : يضاعف لها العذاب ضعفين فإن سياق الآية والآية التي بعدها دل على أن المراد من قوله ضعفين مرتان ، ألا تراه يقول بعد ذكر العذاب : ومن يقنت منكن لله ورسوله وتعمل صالحا نؤتها أجرها مرتين ؟ [ ص: 46 ] فإذا جعل الله تعالى لأمهات المؤمنين من الأجر مثلي ما لغيرهن تفضيلا لهن على سائر نساء الأمة فكذلك إذا أتت إحداهن بفاحشة عذبت مثلي ما يعذب غيرها ، ولا يجوز أن تعطى على الطاعة أجرين وتعذب على المعصية ثلاثة أعذبة ; قال الأزهري : وهذا قول حذاق النحويين وقول أهل التفسير ، والعرب تتكلم بالضعف مثنى فيقولون : إن أعطيتني درهما فلك ضعفاه أي مثلاه ، يريدون فلك درهمان عوضا منه ; قال : وربما أفردوا الضعف وهم يريدون معنى الضعفين فقالوا : إن أعطيتني درهما فلك ضعفه ، يريدون مثله ، وإفراده لا بأس به إلا أن التثنية أحسن . ورجل مضعف : ذو أضعاف في الحسنات . وضعف القوم يضعفهم : كثرهم فصار له ولأصحابه الضعف عليهم . وأضعف الرجل : فشت ضيعته وكثرت ، فهو مضعف . وبقرة ضاعف : في بطنها حمل كأنها صارت بولدها مضاعفة . والأضعاف : العظام فوقها لحم ; قال رؤبة :


                                                          والله بين القلب والأضعاف

                                                          قال أبو عمرو : أضعاف الجسد عظامه ، الواحد ضعف ، ويقال : أضعاف الجسد أعضاؤه . وقولهم : وقع فلان في أضعاف كتابه ; يراد به توقيعه في أثناء السطور أو الحاشية . وأضعف القوم أي ضوعف لهم . وأضعف الرجل : ضعفت دابته . يقال : هو ضعيف مضعف ، فالضعيف في بدنه ، والمضعف الذي دابته ضعيفة كما يقال قوي مقو ، فالقوي في بدنه ، والمقوي الذي دابته قوية . وفي الحديث في غزوة خيبر : من كان مضعفا فليرجع ; أي من كانت دابته ضعيفة . وفي حديث عمر - رضي الله عنه - : المضعف أمير على أصحابه ; يعني في السفر يريد أنهم يسيرون بسيره ، وفي حديث آخر : الضعيف أمير الركب . وضعفه السير أي أضعفه . والتضعيف : أن تنسبه إلى الضعف : والمضاعفة : الدرع التي ضوعف حلقها ونسجت حلقتين حلقتين .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية