الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                              السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

                                                                                                                              صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              2477 (باب في المسجد الذي أسس على التقوى ) .

                                                                                                                              وقال النووي: (باب بيان أن المسجد الذي أسس على التقوى، هو مسجد النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة ) .

                                                                                                                              (حديث الباب ) .

                                                                                                                              وهو بصحيح مسلم النووي ص 198 - 199 ج9 المطبعة المصرية .

                                                                                                                              [حدثني محمد بن حاتم. حدثنا يحيى بن سعيد عن حميد الخراط. قال سمعت أبا سلمة بن عبد الرحمن قال: مر بي عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري. قال: قلت له: كيف سمعت أباك يذكر في المسجد الذي أسس على التقوى؟ قال: قال أبي: دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيت بعض نسائه. فقلت يا رسول الله، أي المسجدين الذي أسس على التقوى؟ قال فأخذ كفا من حصباء فضرب به الأرض. ثم قال: "هو مسجدكم هذا" (لمسجد المدينة ) . قال: فقلت: أشهد أني سمعت أباك هكذا يذكره.] .

                                                                                                                              [ ص: 220 ]

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              [ ص: 220 ] (الشرح) .

                                                                                                                              (عن أبي سلمة بن عبد الرحمن؛ قال: مر بي عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري ) رضي الله عنهم؛ (قال: قلت له: كيف سمعت أباك يذكر في المسجد الذي أسس على التقوى؟ قال: قال أبي: دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيت بعض نسائه، فقلت: يا رسول الله! أي المسجدين الذي أسس على التقوى؟ قال: فأخذ كفا من حصباء فضرب به الأرض ) .

                                                                                                                              المراد به: المبالغة في الإيضاح لبيان أنه مسجد المدينة.

                                                                                                                              "والحصباء" بالمد الحصى الصغار.

                                                                                                                              ثم قال: "هو مسجدكم هذا: لمسجد المدينة" ) .

                                                                                                                              قال النووي: هذا نص بأنه المسجد الذي أسس على التقوى، المذكور في القرآن. ورد لما يقول بعض المفسرين: إنه مسجد "قباء" انتهى.

                                                                                                                              أقول: اختلف أهل العلم في هذا المسجد.

                                                                                                                              فقالت طائفة: هو مسجد قباء.

                                                                                                                              وذهب آخرون إلى أنه مسجد النبي صلى الله عليه وسلم .

                                                                                                                              والثاني أرجح. وبه قال الشوكاني "رحمه الله" في تفسيره "فتح القدير" لأحاديث وردت في ذلك.

                                                                                                                              [ ص: 221 ] ولا يخفاك أن النبي صلى الله عليه وسلم قد عين هذا المسجد الذي أسس على التقوى، وجزم بأنه مسجده.

                                                                                                                              فلا يقاوم ذلك قول فرد من الصحابة، ولا جماعة منهم، ولا من غيرهم. ولا يصلح لإيراده في مقابلة ما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم .

                                                                                                                              قال الكرخي: والتحقيق: أن رواية نزولها في مسجد قباء لا تعارض تنصيصه صلى الله عليه وسلم على أنه مسجد المدينة.

                                                                                                                              فإنها لا تدل على اختصاص أهل قباء بذلك. انتهي.

                                                                                                                              ولا فائدة في إيراد ما ورد في فضل مسجد قباء، فإن ذلك لا يستلزم كونه المسجد الذي أسس على التقوى.

                                                                                                                              على أن ما ورد في فضائل مسجده على أكثر مما ورد في فضل مسجد قباء بلا شك ولا شبهة.

                                                                                                                              (قال: فقلت: أشهد أني سمعت أباك هكذا يذكره ) .

                                                                                                                              وأصرح من ذلك ما أخرجه ابن أبي شيبة، وأحمد، ومسلم، والترمذي، والنسائي، وأبو يعلى، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن خزيمة، وابن حبان، وأبو الشيخ، والحاكم، وابن مردويه، والبيهقي:

                                                                                                                              (عن أبي سعيد الخدري. قال: اختلف رجلان، رجل من بني "خدرة" - وفي لفظ: تماريت أنا- ورجل من بني عمرو بن عوف، في المسجد [ ص: 222 ] الذي أسس على التقوى، فقال الخدري: هو مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقال العمري: هو مسجد قباء. فأتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألاه عن ذلك؟ فقال: "هو هذا المسجد" لمسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ) وقال: "في ذلك خير كثير". يعني: مسجد قباء ) .

                                                                                                                              وأخرج أحمد، وغيره، عن أبي بن كعب قال: (سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن المسجد الذي أسس على التقوى؟ قال: "هو مسجدي هذا" ) .

                                                                                                                              وعن زيد بن ثابت مرفوعا مثله، عند الطبراني، وغيره.

                                                                                                                              وفي الباب أحاديث كثيرة.

                                                                                                                              والآية الكريمة:

                                                                                                                              لمسجد أسس على التقوى من أول يوم أحق أن تقوم فيه فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين .

                                                                                                                              وفي الباب روايات بألفاظ في سبب نزولها في قباء.

                                                                                                                              قال الشوكاني: ولا يخفاك أن بعض هذه الروايات ليس فيه تعيين مسجد قباء وأهله.

                                                                                                                              وبعضها ضعيف، وبعضها لا تصريح فيه بأن المسجد الذي أسس على التقوى هو مسجد قباء.

                                                                                                                              وعلى كل حال: لا يقاوم تلك الأحاديث المصرحة بأن المسجد الذي أسس على التقوى هو مسجد النبي صلى الله عليه وسلم في صحتها وصراحتها. انتهى.




                                                                                                                              الخدمات العلمية