الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                قل أندعو من دون الله ما لا ينفعنا ولا يضرنا ونرد على أعقابنا بعد إذ هدانا الله كالذي استهوته الشياطين في الأرض حيران له أصحاب يدعونه إلى الهدى ائتنا قل إن هدى الله هو الهدى وأمرنا لنسلم لرب العالمين

                                                                                                                                                                                                قل أندعو : " أنعبد من دون الله : الضار النافع ، ما لا يقدر على نفعنا ، ولا مضرتنا ونرد على أعقابنا : راجعين إلى الشرك بعد إذ أنقذنا الله منه ، وهدانا للإسلام كالذي استهوته الشياطين : كالذي ذهبت به مردة الجن والغيلان في الأرض : المهمه حيران : تائها ، ضالا عن الجادة ، لا يدري كيف يصنع ، " له " أي : لهذا المستهوى ، " أصحاب" : رفقة يدعونه إلى الهدى : إلى أن يهدوه الطريق المستوي ، أو سمي : " الطريق المستقيم " بالهدى ، يقولون له : " ائتنا" ، وقد اعتسف المهمه تابعا للجن ، لا يجيبهم ، ولا يأتيهم ، وهذا مبني على ما تزعمه العرب ، وتعتقده : أن الجن تستهوي الإنسان والغيلان تستولي عليه ; كقوله : الذي يتخبطه الشيطان من المس [البقرة : 275] ، فشبه الضال عن طريق الإسلام : التابع لخطوات الشيطان ، والمسلمون يدعونه إليه ، فلا يلتفت إليهم قل إن هدى الله : وهو الإسلام هو الهدى : وحده ، [ ص: 363 ] وما وراءه ضلال وغي ومن يبتغ غير الإسلام دينا [آل عمران : 85] فماذا بعد الحق إلا الضلال [يونس : 32] .

                                                                                                                                                                                                فإن قلت : فما محل الكاف في قوله : كالذي استهوته ؟

                                                                                                                                                                                                قلت النصب على الحال من الضمير في : ونرد على أعقابنا ، أي : أننكص مشبهين من استهوته الشياطين؟

                                                                                                                                                                                                فإن قلت : ما معنى : " استهوته"؟

                                                                                                                                                                                                قلت : هو استفعال ، من هوى في الأرض ، إذا ذهل فيها ; كأن معناه : طلبت هويه ، وحرصت عليه .

                                                                                                                                                                                                فإن قلت : ما محل : " أمرنا"؟

                                                                                                                                                                                                قلت : النصب عطفا على محل قوله : إن هدى الله هو الهدى على أنهما مقولان ، كأنه قيل : قل هذا القول ، وقل : أمرنا لنسلم .

                                                                                                                                                                                                فإن قلت : ما معنى اللام في : " لنسلم"؟

                                                                                                                                                                                                قلت : هي تعليل للأمر ، بمعنى : أمرنا ، وقيل لنا : أسلموا لأجل أن نسلم .

                                                                                                                                                                                                فإن قلت : فإذا كان هذا واردا في شأن أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - فكيف [ ص: 364 ] قيل للرسول - عليه الصلاة والسلام - : قل : أندعو؟

                                                                                                                                                                                                قلت : للاتحاد الذي كان بين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والمؤمنين ، خصوصا بينه وبين الصديق أبي بكر ، رضي الله تعالى عنه .

                                                                                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                                                                                الخدمات العلمية