[ ص: 1100 ] القول في تأويل قوله تعالى:
nindex.php?page=treesubj&link=32211_32455_33308_34361_28975nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=2وآتوا اليتامى أموالهم ولا تتبدلوا الخبيث بالطيب ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم إنه كان حوبا كبيرا [2]
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=2وآتوا اليتامى أموالهم شروع في تفصيل موارد الاتقاء ومظانه بتكليف ما يقابلها أمرا ونهيا.
وتقديم ما يتعلق باليتامى لإظهار كمال العناية بأمرهم ولملابستهم بالأرحام، إذ الخطاب للأولياء والأوصياء، وقلما تفوض الوصاية إلى الأجانب.
واليتيم من مات أبوه، من اليتم، وهو الانفراد، ومنه الدرة اليتيمة، والقياس الاشتقاقي يقتضي وقوعه على الصغار والكبار، وقد خصه الشرع بمن لم يبلغ الحلم، كما روى
nindex.php?page=showalam&ids=11998أبو داود بإسناد حسن عن
nindex.php?page=showalam&ids=8علي – رضي الله عنه - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:
nindex.php?page=hadith&LINKID=30757لا يتم بعد احتلام .
وفي الآية وجوه:
الأول: أن يراد باليتامى الكبار الذين أونس منهم الرشد مجازا، باعتبار ما كان، أوثر لقرب العهد بالصغر، والإشارة إلى
[ ص: 1101 ] وجوب المسارعة إلى دفع أموالهم إليهم حينئذ، حتى كأن اسم اليتيم باق بعد، غير زائل.
الثاني: أن يراد بهم الكبار حقيقة، واردة على أصل اللغة.
الثالث: أن يراد بهم الصغار، وبـ (الإيتاء) ما يدفعه الأولياء والأوصياء إليهم من النفقة والكسوة، لا دفعها إليهم، وفيه بعد.
الرابع: أن يراد بهم ما ذكر، وبـ(إيتائهم) الأموال أن لا يطمع فيها الأولياء والأوصياء، ولاة السوء وقضاته، ويكفوا عنها أيديهم الخاطفة حتى تؤتى اليتامى إذا بلغوا سالمة غير محذوفة، فالتجوز في الإيتاء حينئذ باستعماله في لازم معناه وهو تركها سالمة؛ لأنها لا تؤتى إلا إذا كانت كذلك.
قال
الناصر في "الانتصاف": هذا الوجه قوي بقوله بعد آيات:
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=6وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم [النساء: من الآية 6] دل على أن الآية الأولى في الحض على حفظها لهم ليؤتوها عند بلوغهم ورشدهم، والثانية في الحض على الإيتاء الحقيقي عند حصول البلوغ والرشد.
ويقويه أيضا قوله عقيب الأولى:
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=2ولا تتبدلوا إلخ، فهذا كله تأديب للوصي ما دام المال بيده واليتيم في حجره.
وأما على الوجه الأول فيكون مؤدى الآيتين واحدا وهو الأمر بالإيتاء حقيقة، ويخلص عن التكرار بأن الأولى كالمجملة والثانية كالمبينة لشرط الإيتاء: من البلوغ وإيناس الرشد، والله أعلم.
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=2ولا تتبدلوا الخبيث بالطيب أي: ولا تستبدلوا الحرام - وهو مال اليتامى - بالحلال وهو مالكم، وما أبيح لكم من المكاسب، ورزق الله المبثوث في الأرض فتأكلوه مكانه.
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=2ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم نهي عن منكر آخر كانوا يتعاطونه، أي: لا تأكلوها مضمومة إلى أموالكم مخلوطة بها للتوسعة
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=2إنه أي: الأكل:
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=2كان حوبا أي: ذنبا
[ ص: 1102 ] عظيما، وقرئ بفتح الحاء، وقوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=2كبيرا مبالغة في بيان عظم ذنب الأكل المذكور، كأنه قيل: من كبار الذنوب.
[ ص: 1100 ] الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى:
nindex.php?page=treesubj&link=32211_32455_33308_34361_28975nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=2وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا [2]
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=2وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ شُرُوعٌ فِي تَفْصِيلِ مَوَارِدِ الِاتِّقَاءِ وَمَظَانِّهِ بِتَكْلِيفِ مَا يُقَابِلُهَا أَمْرًا وَنَهْيًا.
وَتَقْدِيمُ مَا يَتَعَلَّقُ بِالْيَتَامَى لِإِظْهَارِ كَمَالِ الْعِنَايَةِ بِأَمْرِهِمْ وَلِمُلَابَسَتِهِمْ بِالْأَرْحَامِ، إِذِ الْخِطَابُ لِلْأَوْلِيَاءِ وَالْأَوْصِيَاءِ، وَقَلَّمَا تُفَوَّضُ الْوِصَايَةُ إِلَى الْأَجَانِبِ.
وَالْيَتِيمُ مَنْ مَاتَ أَبُوهُ، مِنَ الْيُتْمِ، وَهُوَ الِانْفِرَادُ، وَمِنْهُ الدُّرَّةُ الْيَتِيمَةُ، وَالْقِيَاسُ الِاشْتِقَاقِيُّ يَقْتَضِي وُقُوعَهُ عَلَى الصِّغَارِ وَالْكِبَارِ، وَقَدْ خَصَّهُ الشَّرْعُ بِمَنْ لَمْ يَبْلُغِ الْحُلُمَ، كَمَا رَوَى
nindex.php?page=showalam&ids=11998أَبُو دَاوُدَ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=8عَلِيٍّ – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
nindex.php?page=hadith&LINKID=30757لَا يُتْمَ بَعْدَ احْتِلَامٍ .
وَفِي الْآيَةِ وُجُوهٌ:
الْأَوَّلُ: أَنْ يُرَادَ بِالْيَتَامَى الْكِبَارَ الَّذِينَ أُونِسَ مِنْهُمُ الرُّشْدُ مَجَازًا، بِاعْتِبَارِ مَا كَانَ، أُوثِرَ لِقُرْبِ الْعَهْدِ بِالصِّغَرِ، وَالْإِشَارَةِ إِلَى
[ ص: 1101 ] وُجُوبِ الْمُسَارَعَةِ إِلَى دَفْعِ أَمْوَالِهِمْ إِلَيْهِمْ حِينَئِذٍ، حَتَّى كَأَنَّ اسْمَ الْيَتِيمِ بَاقٍ بَعْدُ، غَيْرُ زَائِلٍ.
الثَّانِي: أَنْ يُرَادَ بِهِمُ الْكِبَارَ حَقِيقَةً، وَارِدَةً عَلَى أَصْلِ اللُّغَةِ.
الثَّالِثُ: أَنْ يُرَادَ بِهِمُ الصِّغَارَ، وَبِـ (الْإِيتَاءِ) مَا يَدْفَعُهُ الْأَوْلِيَاءُ وَالْأَوْصِيَاءُ إِلَيْهِمْ مِنَ النَّفَقَةِ وَالْكُسْوَةِ، لَا دَفْعُهَا إِلَيْهِمْ، وَفِيهِ بُعْدٌ.
الرَّابِعُ: أَنْ يُرَادَ بِهِمْ مَا ذُكِرَ، وَبِـ(إِيتَائِهِمُ) الْأَمْوَالَ أَنْ لَا يَطْمَعَ فِيهَا الْأَوْلِيَاءُ وَالْأَوْصِيَاءُ، وُلَاةُ السُّوءِ وَقُضَاتُهُ، وَيَكُفُّوا عَنْهَا أَيْدِيَهُمُ الْخَاطِفَةَ حَتَّى تُؤْتَى الْيَتَامَى إِذَا بَلَغُوا سَالِمَةً غَيْرَ مَحْذُوفَةٍ، فَالتَّجَوُّزُ فِي الْإِيتَاءِ حِينَئِذٍ بِاسْتِعْمَالِهِ فِي لَازِمِ مَعْنَاهُ وَهُوَ تَرْكُهَا سَالِمَةً؛ لِأَنَّهَا لَا تُؤْتَى إِلَّا إِذَا كَانَتْ كَذَلِكَ.
قَالَ
النَّاصِرُ فِي "الِانْتِصَافِ": هَذَا الْوَجْهُ قَوِيٌّ بِقَوْلِهِ بَعْدَ آيَاتٍ:
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=6وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ [النِّسَاءِ: مِنَ الْآيَةِ 6] دَلَّ عَلَى أَنَّ الْآيَةَ الْأُولَى فِي الْحَضِّ عَلَى حِفْظِهَا لَهُمْ لِيُؤْتَوْهَا عِنْدَ بُلُوغِهِمْ وَرُشْدِهِمْ، وَالثَّانِيَةَ فِي الْحَضِّ عَلَى الْإِيتَاءِ الْحَقِيقِيِّ عِنْدَ حُصُولِ الْبُلُوغِ وَالرُّشْدِ.
وَيُقَوِّيهِ أَيْضًا قَوْلُهُ عَقِيبَ الْأُولَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=2وَلا تَتَبَدَّلُوا إِلَخْ، فَهَذَا كُلُّهُ تَأْدِيبٌ لِلْوَصِيِّ مَا دَامَ الْمَالُ بِيَدِهِ وَالْيَتِيمُ فِي حِجْرِهِ.
وَأَمَّا عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ فَيَكُونُ مُؤَدَّى الْآيَتَيْنِ وَاحِدًا وَهُوَ الْأَمْرُ بِالْإِيتَاءِ حَقِيقَةً، وَيُخَلَّصُ عَنِ التَّكْرَارِ بِأَنَّ الْأُولَى كَالْمُجْمَلَةِ وَالثَّانِيَةَ كَالْمُبَيِّنَةِ لِشَرْطِ الْإِيتَاءِ: مِنَ الْبُلُوغِ وَإِينَاسِ الرُّشْدِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=2وَلا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ أَيْ: وَلَا تَسْتَبْدِلُوا الْحَرَامَ - وَهُوَ مَالُ الْيَتَامَى - بِالْحَلَالِ وَهُوَ مَالُكُمْ، وَمَا أُبِيحَ لَكُمْ مِنَ الْمَكَاسِبِ، وَرِزْقِ اللَّهِ الْمَبْثُوثِ فِي الْأَرْضِ فَتَأْكُلُوهُ مَكَانَهُ.
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=2وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ نَهْيٌ عَنْ مُنْكَرٍ آخَرَ كَانُوا يَتَعَاطَوْنَهُ، أَيْ: لَا تَأْكُلُوهَا مَضْمُومَةً إِلَى أَمْوَالِكُمْ مَخْلُوطَةً بِهَا لِلتَّوْسِعَةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=2إِنَّهُ أَيِ: الْأَكْلُ:
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=2كَانَ حُوبًا أَيْ: ذَنْبًا
[ ص: 1102 ] عَظِيمًا، وَقُرِئَ بِفَتْحِ الْحَاءِ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=2كَبِيرًا مُبَالَغَةٌ فِي بَيَانِ عِظَمِ ذَنْبِ الْأَكْلِ الْمَذْكُورِ، كَأَنَّهُ قِيلَ: مِنْ كِبَارِ الذُّنُوبِ.