الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( الذين قالوا لإخوانهم وقعدوا لو أطاعونا ما قتلوا ) : هذه الآية نظير قوله : " وقالوا لإخوانهم إذا ضربوا في الأرض " الآية . وفسر الإخوان هنا بما فسر به هناك . وتحتمل لام الجر ما احتملته في تلك ، وجوزوا في إعراب الذين وجوها : الرفع على النعت للذين نافقوا ، أو على أنه خبر مبتدأ محذوف ، أو على أنه بدل من الواو في يكتمون ، والنصب على الذم أي : أذم الذين ، والجر على البدل من الضمير في بأفواههم أو في قلوبهم .

والجملة من قوله : " وقعدوا " حالية أي : وقد قعدوا . ووقوع الماضي حالا في مثل هذا التركيب مصحوبا بقد ، أو بالواو ، أو بهما ، أو دونهما - ثابت من لسان العرب بالسماع . ومتعلق الطاعة هو ترك الخروج . والقعود كما قعدوا هم ، وهذا منهم قول بالأجلين أي : لو وافقونا في التخلف والقعود ما قتلوا ، كما لم نقتل نحن . وقرأ الحسن : ما قتلوا بالتشديد .

( قل فادرءوا عن أنفسكم الموت إن كنتم صادقين ) : أكذبهم الله تعالى في دعواهم ذلك ، فكأنه قيل : القتل ضرب من الموت ، فإن كان لكم سبيل إلى دفعه عن أنفسكم بفعل اختياري فادفعوا عنها الموت ، وإن لم يكن ذلك دل على أنكم مبطلون في دعواكم . والدرء : الدفع ، وتقدمت مادته في قوله : " فادارأتم فيها " وقال دغفل النسابة :


صادف درء السيل درأ يدفعه والعبء لا تعرفه أو ترفعه



والمعنى : إن كنتم صادقين في دعواكم أن التحيل والتحرز ينجي من الموت ، فجدوا أنتم في دفعه ، ولن تجدوا إلى ذلك سبيلا ، بل لا بد أن يتعلق بكم بعض أسباب المنون . وهب أنكم على زعمكم دفعتم بالقعود هذا السبب الخاص ، فادفعوا سائر أسباب الموت ، وهذا لا يمكن لكم ألبتة . قال الزمخشري : ( فإن قلت ) : فقد كانوا صادقين في أنهم دفعوا القتل عن أنفسهم بالقعود ، فما معنى قوله : إن كنتم صادقين ؟ ( قلت ) : معناه أن النجاة من القتل يجوز أن يكون سببها القعود عن القتال ، وأن يكون غيره ؛ لأن أسباب النجاة كثيرة . وقد يكون قتال الرجل نجاته ، ولو لم يقاتل لقتل ، فما يدريكم أن سبب نجاتكم القعود ، وأنكم صادقون في مقاتلتكم وما أنكرتم أن يكون السبب غيره ؟ ووجه آخر : إن كنتم صادقين في قولكم : لو أطاعونا وقعدوا ما قتلوا ، يعني : أنهم لو أطاعوكم وقعدوا لقتلوا قاعدين ، كما قتلوا مقاتلين . وقوله : فادرءوا عن أنفسكم الموت ، استهزاء بهم ، أي إن كنتم رجالا دفاعين لأسباب الموت فادرءوا جميع أسبابه حتى لا تموتوا . انتهى كلامه . وهو حسن على طوله .

التالي السابق


الخدمات العلمية