الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      وعكس في قوله سبحانه : ولئن متم أو قتلتم لإلى الله تحشرون (158) لأن الموت أكثر من القتل وهما مستويان في الحشر ، والمعنى أنكم بأي سبب اتفق هلاككم تحشرون إلى الله تعالى لا إلى غيره فيجزي كلا منكم كما يستحق فيجازي المحسن على إحسانه والمسيء على إساءته ، وليس غيره يرجى منه ثواب أو يتوقع منه دفع عقاب ، فآثروا ما يقربكم إليه ويجر لكم رضاه من العمل بطاعته والجهاد في سبيله ولا تركنوا إلى الدنيا ، ومما ينسب للحسين رضي الله تعالى عنه :


                                                                                                                                                                                                                                      فإن تكن الأبدان للموت أنشئت فقتل امرئ بالسيف والله أفضل



                                                                                                                                                                                                                                      والكلام في اللامين كالكلام في أختيهما بلامين ، وإدخال لام القسم على المعمول المقدم مشعر بتأكيد الحصر والاختصاص بأن ألوهيته تعالى هي التي تقتضي ذلك ، وادعى بعضهم أن تقديم هذا المعمول لمجرد الاهتمام ويزيده حسنا وقوع ما بعده فاصلة ، وما أشرنا إليه أولا أولى ، قالوا : ولولا هذا التقديم لوجب توكيد الفعل بالنون لأن المضارع المثبت إذا كان مستقبلا وجب توكيده مع اللام خلافا للكوفيين حيث يجوزون التعاقب بينهما ، وظاهر صنيع بعض المحققين يشعر بأن في هذه الجملة مقدرا بقرينة ما قبله ، أي ولئن متم أو قتلتم في سبيل الله ، ولعل الحمل على العموم أولى ، وزعم بعض أن في الآية تقسيم مقامات العبودية إلى ثلاث أقسام ، فمن عبد الله تعالى خوفا من ناره آمنه مما يخاف ، وإليه الإشارة بقوله تعالى : لمغفرة من الله ومن عبد الله تعالى شوقا إلى جنته أناله ما يرجو وإليه الإشارة بقوله سبحانه : ورحمة لأن الرحمة من أسماء الجنة ، ومن عبد الله تعالى شوقا إلى وجهه الكريم لا يريد غيره فهو العبد المخلص الذي يتجلى عليه الحق جل جلاله في دار كرامته وإليه الإشارة بقوله عز اسمه : لإلى الله تحشرون ولا يخفى أنه من باب التأويل لا من قبيل التفسير .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية