الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى : ( مناع للخير معتد أثيم ) عتل بعد ذلك زنيم )

وقوله : ( مناع للخير ) . يقول تعالى ذكره : بخيل بالمال ضنين به عن الحقوق .

وقوله : ( معتد ) يقول : معتد على الناس ( أثيم ) : ذي إثم بربه .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، في قوله : ( معتد ) في عمله ( أثيم ) بربه .

وقوله : ( عتل ) يقول : وهو عتل ، والعتل : الجافي الشديد في كفره ، وكل شديد قوي فالعرب تسميه عتلا; ومنه قول ذي الإصبع العدواني :


والدهر يغدو معتلا جذعا



وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : ( عتل ) العتل : العاتل الشديد المنافق . [ ص: 536 ]

حدثني إسحاق بن وهب الواسطي ، قال : ثنا أبو عامر العقدي ، قال : ثنا زهير بن محمد ، عن زيد بن أسلم ، عن عطاء بن يسار ، عن وهب الذماري ، قال : تبكي السماء والأرض من رجل أتم الله خلقه ، وأرحب جوفه ، وأعطاه مقضما من الدنيا ، ثم يكون ظلوما للناس ، فذلك العتل الزنيم .

حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا ابن إدريس ، عن ليث ، عن أبي الزبير ، عن عبيد بن عمير ، قال : العتل : الأكول الشروب القوي الشديد ، يوضع في الميزان فلا يزن شعيرة ، يدفع الملك من أولئك سبعين ألفا دفعة في جهنم .

حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا ابن يمان ، عن سفيان ، عن منصور ، عن أبي رزين ، في قوله : ( عتل بعد ذلك زنيم ) قال : العتل : الشديد .

حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا جرير ، عن منصور ، عن أبي رزين ، في قوله : ( عتل بعد ذلك زنيم ) قال : العتل : الصحيح .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : ثني معاوية بن صالح ، عن كثير بن الحارث ، عن القاسم ، مولى معاوية قال : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن العتل الزنيم ، قال : " الفاحش اللئيم " .

قال معاوية ، وثني عياض بن عبد الله الفهري ، عن موسى بن عقبة ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بمثل ذلك

حدثني يعقوب ، قال : ثنا ابن علية ، عن أبي رجاء ، عن الحسن ، في قوله : ( عتل بعد ذلك زنيم ) قال : فاحش الخلق ، لئيم الضريبة .

حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : ( عتل بعد ذلك زنيم ) قال الحسن وقتادة : هو الفاحش اللئيم الضريبة .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن الحسن ، في قوله : ( عتل ) قال : هو الفاحش اللئيم الضريبة .

قال ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن زيد بن أسلم ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " تبكي السماء من عبد أصح الله جسمه ، وأرحب جوفه ، وأعطاه من الدنيا مقضما فكان للناس ظلوما ، فذلك العتل الزنيم " . [ ص: 537 ]

حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن منصور ، عن أبي رزين ، قال : العتل : الصحيح الشديد .

حدثني جعفر بن محمد البزوري ، قال : ثنا أبو زكريا ، وهو يحيى بن مصعب ، عن عمر بن نافع ، قال : سئل عكرمة ، عن ( عتل بعد ذلك زنيم ) فقال : ذلك الكافر اللئيم .

حدثني علي بن الحسن الأزدي ، قال : ثنا يحيى ، يعني : ابن يمان ، عن أبي الأشهب ، عن الحسن في قوله : ( عتل بعد ذلك زنيم ) قال : الفاحش اللئيم الضريبة .

حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا معاذ بن هشام ، قال : ثني أبي ، عن قتادة ، قال : العتل الزنيم : الفاحش اللئيم الضريبة .

حدثنا محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى; وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : ( عتل ) قال : شديد الأشر .

حدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : ثنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول : ( عتل ) قال : العتل : الشديد ( بعد ذلك زنيم ) ومعنى "بعد" في هذا الموضع معنى "مع" وتأويل الكلام : ( عتل بعد ذلك زنيم ) : أي مع العتل زنيم .

وقوله : ( زنيم ) والزنيم في كلام العرب : الملصق بالقوم وليس منهم; ومنه قول حسان بن ثابت :


وأنت زنيم نيط في آل هاشم     كما نيط خلف الراكب القدح الفرد



وقال آخر :


زنيم ليس يعرف من أبوه     بغي الأم ذو حسب لئيم



وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك : [ ص: 538 ]

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثنى عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ( زنيم ) قال : والزنيم : الدعي ، ويقال : الزنيم : رجل كانت به زنمة يعرف بها ، ويقال : هو الأخنس بن شريق الثقفي حليف بني زهرة . وزعم ناس من بني زهرة أن الزنيم هو : الأسود بن عبد يغوث الزهري ، وليس به .

حدثنا أبو كريب ، قال : أخبرنا ابن إدريس ، قال : ثنا هشام ، عن عكرمة ، قال : هو الدعي .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : ثني سليمان بن بلال ، عن عبد الرحمن بن حرملة ، عن سعيد بن المسيب ، أنه سمعه يقول في هذه الآية : ( عتل بعد ذلك زنيم ) قال سعيد : هو الملصق بالقوم ليس منهم .

حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن جابر ، عن الحسن ، عن سعيد بن جبير ، قال : الزنيم الذي يعرف بالشر ، كما تعرف الشاة بزنمتها; الملصق .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى; وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، وقال آخرون : هو الذي له زنمة كزنمة الشاة .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن المثنى ، قال : ثنا عبد الأعلى ، ثنا داود ، عن عكرمة ، عن ابن عباس أنه قال في الزنيم قال : نعت ، فلم يعرف حتى قيل زنيم . قال : وكانت له زنمة في عنقه يعرف بها .

وقال آخرون : كان دعيا .

حدثني الحسين بن علي الصدائي ، قال : ثنا علي بن عاصم ، قال ثنا داود بن أبي هند ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، في قوله : ( بعد ذلك زنيم ) قال : نزل على النبي صلى الله عليه وسلم ( ولا تطع كل حلاف مهين هماز مشاء بنميم ) قال : فلم نعرفه حتى نزل على النبي صلى الله عليه وسلم ( بعد ذلك زنيم ) قال : فعرفناه له زنمة كزنمة الشاة .

حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا ابن إدريس ، عن أصحاب التفسير ، قالوا : هو [ ص: 539 ] الذي يكون له زنمة كزنمة الشاة .

حدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : ثنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : ( زنيم ) : يقول : كانت له زنمة في أصل أذنه ، يقال : هو اللئيم الملصق في النسب .

وقال آخرون : هو المريب

ذكر من قال ذلك :

حدثنا تميم بن المنتصر ، قال : ثنا إسحاق ، عن شريك ، عن أبي إسحاق ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، في قوله : ( عتل بعد ذلك زنيم ) قال : زنيم : المريب الذي يعرف بالشر .

حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن جابر ، عن الحسن بن مسلم ، عن سعيد بن جبير قال : الزنيم : الذي يعرف بالشر .

وقال آخرون : هو الظلوم .

ذكر من قال ذلك :

حدثني علي ، قال : ثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ، في قوله : ( زنيم ) قال : ظلوم .

وقال آخرون : هو الذي يعرف بأبنة .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن المثنى ، قال : ثنا محمد بن جعفر ، قال : ثنا شعبة ، عن أبي إسحاق ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس أنه قال في الزنيم : الذي يعرف بأبنة ، قال أبو إسحاق : وسمعت الناس في إمرة زياد يقولون : العتل : الدعي .

وقال آخرون : هو الجلف الجافي .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن المثنى ، قال : ثني عبد الأعلى ، قال : ثنا داود بن أبي هند ، قال : سمعت شهر بن حوشب يقول : هو الجلف الجافي ، الأكول الشروب من الحرام .

وقال آخرون : هو علامة الكفر . [ ص: 540 ]

ذكر من قال ذلك :

حدثنا أبو كريب ، ثنا ابن يمان ، عن سفيان ، عن منصور ، عن أبي رزين ، قال : الزنيم : علامة الكفر .

حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن منصور ، عن أبي رزين ، قال : الزنيم : علامة الكافر .

حدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، أنه كان يقول : الزنيم يعرف بهذا الوصف كما تعرف الشاة .

وقال آخرون : هو الذي يعرف باللؤم .

ذكر من قال ذلك

حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن خصيف ، عن عكرمة ، قال : الزنيم : الذي يعرف باللؤم ، كما تعرف الشاة بزنمتها .

وقال آخرون : هو الفاجر .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا جرير ، عن منصور ، عن أبي رزين ، في قوله : ( عتل بعد ذلك زنيم ) قال : الزنيم : الفاجر .

التالي السابق


الخدمات العلمية