الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                      صفحة جزء
                                      قال المصنف رحمه الله تعالى ( فإذا فرغ من طواف الوداع فالمستحب أن يقف في الملتزم ، وهو ما بين الركن والباب ، فيدعو ويقول " اللهم إن البيت بيتك والعبد عبدك وابن عبدك وابن أمتك ، حملتني على ما سخرت لي من خلقك ، حتى سيرتني في بلادك وبلغتني بنعمتك حتى أعنتني على قضاء مناسكك ، فإن كنت رضيت عني فازدد عني رضى ، وإلا فمن الآن قبل أن تنأى عن بيتك داري ، هذا أوان انصرافي إن أذنت لي غير مستبدل بك ولا ببيتك ، ولا راغب عنك ولا عن بيتك ، اللهم اصحبني العافية في بدني ، والعصمة في ديني وأحسن منقلبي ، وارزقني طاعتك ما أبقيتني " فإنه قد روي ذلك عن بعض السلف ، ولأنه دعاء يليق بالحال ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ) .

                                      التالي السابق


                                      ( الشرح ) هذا الدعاء ذكره الشافعي رحمه الله في الإملاء وفي مختصر الحج واتفق الأصحاب على استحبابه . وقوله الملتزم هو بضم الميم وفتح الزاي ، سمي بذلك لأنهم يلزمونه للدعاء ، ويقال له المدعى والمتعوذ - بفتح الواو - وهو ما بين الركن الذي فيه الحجر الأسود وباب الكعبة ، وهو من المواضع التي يستجاب فيها الدعاء هناك ، وسأفردها بفرع مستقل إن شاء الله تعالى قريبا . وقوله " وإلا فمن الآن " يجوز فيه ثلاثة أوجه ، أجودها ضم الميم وتشديد النون ( والثاني ) كسر الميم وتخفيف النون وفتحها ( والثالث ) كذلك لكن النون مكسورة ، قال أهل [ ص: 239 ] العربية : إذا جاء بعد " من " الجارة اسم موصول ، فإن كان فيه ألف ولام كان الأجود فيه فتح النون ، ويجوز كسرها وإن لم يكن كان الأجود كسرها ، ويجوز الفتح ( مثال الأول ) من الله ، من الرجل ، من الناس ( مثال الثاني ) من ابنك من اسمك من اثنين . وأما الآن فهو الوقت الحاضر ، هذا حقيقته وأصله ، وقد يقع على القريب الماضي والمستقبل ، تنزيلا له منزلة الحاضر ، ومنه قوله تعالى { فالآن باشروهن } تقديره فالآن أبحنا لكم مباشرتهن ، فعلى هذا هو على حقيقته ( قبل أن تنأى ) أي تبعد . وقوله " هذا أوان انصرافي " قال أهل اللغة : الأوان الحين والوقت وجمعه آونة كزمان وأزمنة . قال أصحابنا : إذا فرغ من طواف صلى ركعتين الطواف خلف المقام . قال الشافعي والأصحاب : ثم يستحب أن يأتي الملتزم فيلتزمه ويقول هذا الدعاء المذكور في الكتاب ، قال الشافعي والأصحاب : وما زاد على هذا الدعاء فحسن قال الأصحاب : وقد زيد فيه ( واجمع لي خير الدنيا والآخرة إنك قادر على ذلك ) وقد ذكر المصنف هذه الزيادة في التنبيه . وذكر الماوردي هذا الدعاء ، وزاد فيه ونقص منه . وذكره القاضي أبو الطيب في تعليقه ، وزاد فيه كثيرا ونقص منه والمشهور ما ذكرناه ، وبأي شيء دعا حصل المستحب ويأتي بآداب الدعاء السابقة في فصل الوقوف بعرفات ، من الحمد لله تعالى والثناء عليه والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ورفع اليدين وغير ذلك . قال القاضي أبو الطيب في تعليقه : قال الشافعي في مختصر كتاب الحج : إذا طاف للوداع استحب أن يأتي الملتزم فيلصق بطنه وصدره بحائط البيت ويبسط يديه على الجدار ، فيجعل اليمنى مما يلي الباب ، واليسرى مما يلي الحجر الأسود ، ويدعو بما أحب من أمر الدنيا والآخرة والله أعلم .

                                      قال أصحابنا : فإن كانت حائضا استحب أن تأتي بهذا الدعاء على [ ص: 240 ] باب المسجد وتمضي والله أعلم .

                                      ومما جاء في الملتزم والتزام البيت حديث المثنى بن الصباح عن عمرو بن شعيب عن أبيه قال { كنت مع عبد الله بن عمرو - يعني ابن العاص فلما جئنا دبر الكعبة ، قلت : ألا تتعوذ ؟ قال نعوذ بالله من النار ، ثم مضى حتى استلم الحجر ، وأقام بين الركن والباب ، فرفع صدره ووجهه وذراعيه وكفيه هكذا وبسطهما بسطا ثم قال : هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله } رواه أبو داود وابن ماجه والبيهقي ، وهذا الإسناد ضعيف ، لأن المثنى بن الصباح ضعيف .

                                      وعن يزيد بن أبي زياد عن مجاهد عن عبد الرحمن بن صفوان قال { لما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة قلت : لألبسن ثيابي فلأنظرن كيف يصنع رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فانطلقت فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم قد خرج من الكعبة هو وأصحابه ، قد استلموا البيت من الباب إلى الحطيم وقد وضعوا خدودهم على البيت ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم وسطهم } رواه أبو داود ، وهذا الإسناد ضعيف لأن يزيد ضعيف . وعن ابن عباس " أنه كان يلتزم ما بين الركن والباب ، وكان يقول ما بين الركن والباب يدعى الملتزم ، لا يلزم ما بينهما أحد يسأل الله عز وجل شيئا إلا أعطاه إياه " رواه البيهقي موقوفا على ابن عباس بإسناد ضعيف والله أعلم . وقد سبق مرات أن العلماء متفقون على التسامح في الأحاديث الضعيفة في فضائل الأعمال ونحوها ، مما ليس من الأحكام ، والله أعلم .

                                      ( فرع ) ذكر الحسن البصري رحمه الله في رسالته المشهورة إلى أهل مكة أن الدعاء يستجاب في خمسة عشر موضعا - في الطواف - وعند الملتزم - وتحت الميزاب - وفي البيت - وعند زمزم - وعلى الصفا والمروة - وفي المسعى - وخلف المقام - وفي عرفات - وفي منى - وعند الجمرات الثلاث .




                                      الخدمات العلمية