الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
فصل

فلما كان خامس المحرم بلغه أن خالد بن سفيان بن نبيح الهذلي قد جمع له الجموع ، فبعث إليه عبد الله بن أنيس ، فقتله ، قال عبد المؤمن بن خلف : وجاءه برأسه فوضعه بين يديه ، فأعطاه عصا فقال : ( هذه آية بيني وبينك يوم القيامة ) ، فلما حضرته الوفاة أوصى أن تجعل معه في أكفانه ، وكانت غيبته ثمان عشرة ليلة ، وقدم يوم السبت لسبع بقين من المحرم [ ص: 219 ] فلما كان صفر قدم عليه قوم من عضل والقارة ، وذكروا أن فيهم إسلاما ، وسألوه أن يبعث معهم من يعلمهم الدين ويقرئهم القرآن ، فبعث معهم ستة نفر في قول ابن إسحاق ، وقال البخاري : كانوا عشرة وأمر عليهم مرثد بن أبي مرثد الغنوي ، وفيهم خبيب بن عدي ، فذهبوا معهم ، فلما كانوا بالرجيع ، وهو ماء لهذيل بناحية الحجاز غدروا بهم واستصرخوا عليهم هذيلا ، فجاءوا حتى أحاطوا بهم ، فقتلوا عامتهم واستأسروا خبيب بن عدي ، وزيد بن الدثنة ، فذهبوا بهما وباعوهما بمكة ، وكانا قتلا من رءوسهم يوم بدر ، فأما خبيب فمكث عندهم مسجونا ، ثم أجمعوا قتله ، فخرجوا به من الحرم إلى التنعيم ، فلما أجمعوا على صلبه قال : دعوني حتى أركع ركعتين ، فتركوه ، فصلاهما ، فلما سلم قال : والله لولا أن تقولوا إن ما بي جزع لزدت ثم قال : " اللهم أحصهم عددا واقتلهم بددا ، ولا تبق منهم أحدا ، ثم قال :


لقد أجمع الأحزاب حولي وألبوا قبائلهم واستجمعوا كل مجمع     وكلهم مبدي العداوة جاهد
علي لأني في وثاق بمضيع     وقد قربوا أبناءهم ونساءهم
وقربت من جذع طويل ممنع [ ص: 220 ]     إلى الله أشكو غربتي بعد كربتي
وما أرصد الأحزاب لي عند مصرعي     فذا العرش صبرني على ما يراد بي
فقد بضعوا لحمي وقد ياس مطمعي     وقد خيروني الكفر ، والموت دونه
فقد ذرفت عيناي من غير مجزع     وما بي حذار الموت إني لميت
وإن إلى ربي إيابي ومرجعي     ولست أبالي حين أقتل مسلما
على أي شق كان في الله مضجعي     وذلك في ذات الإله وإن يشأ
يبارك على أوصال شلو ممزع     فلست بمبد للعدو تخشعا
ولا جزعا إني إلى الله مرجعي

فقال له أبو سفيان : أيسرك أن محمدا عندنا تضرب عنقه ، وإنك في أهلك ، فقال : لا والله ، ما يسرني أني في أهلي ، وأن محمدا في مكانه الذي هو فيه تصيبه شوكة تؤذيه .

وفي " الصحيح " : أن خبيبا أول من سن الركعتين عند القتل . وقد نقل أبو عمر بن عبد البر عن الليث بن سعد أنه بلغه عن زيد بن حارثة أنه صلاهما في قصة ذكرها ، وكذلك صلاهما حجر بن عدي حين أمر معاوية بقتله بأرض عذراء من أعمال دمشق .

ثم صلبوا خبيبا ووكلوا به من يحرس جثته ، فجاء عمرو بن أمية الضمري ، فاحتمله بجذعه ليلا ، فذهب به ، فدفنه .

ورئي خبيب وهو أسير يأكل قطفا من العنب ، وما بمكة ثمرة ، وأما زيد بن [ ص: 221 ] الدثنة فابتاعه صفوان بن أمية ، فقتله بأبيه .

وأما موسى بن عقبة ، فذكر سبب هذه الوقعة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث هؤلاء الرهط يتحسسون له أخبار قريش ، فاعترضهم بنو لحيان .

التالي السابق


الخدمات العلمية