الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
النظر الثاني من هذا الباب في قدر المأخوذ وصفة الآخذ .

ولنفرض المال من أموال المصالح
كأربعة أخماس الفيء والمواريث فإن ما عداه مما قد تعين مستحقه إن كان من وقف أو صدقة أو خمس فيء أو خمس غنيمة وما كان من ملك السلطان مما أحياه أو اشتراه ، فله أن يعطي ما شاء لمن شاء .

وإنما النظر في الأموال الضائعة ومال المصالح ، فلا يجوز صرفه إلا إلى من فيه مصلحة عامة أو هو محتاج إليه عاجز عن الكسب فأما الغني الذي لا مصلحة فيه فلا يجوز صرف مال من بيت المال إليه ، هذا هو الصحيح ، وإن كان العلماء قد اختلفوا فيه .

وفي كلام عمر رضي الله عنه ما يدل على أن لكل مسلم حقا في بيت المال لكونه مسلما مكثرا جمع الإسلام ولكنه مع هذا ما كان يقسم المال على المسلمين كافة ، بل على مخصوصين بصفات .

فإذا ثبت هذا ، فكل من يتولى أمرا يقوم به تتعدى مصلحته إلى المسلمين ، ولو اشتغل بالكسب لتعطل عليه ما هو فيه فله في بيت المال حق الكفاية .

ويدخل فيه العلماء كلهم أعني العلوم التي تتعلق بمصالح الدين من علم الفقه والحديث والتفسير والقراءة حتى يدخل فيه المعلمون والمؤذنون .

وطلبة هذه العلوم أيضا يدخلون فيه فإنهم إن لم يكفوا لم يتمكنوا من الطلب .

ويدخل فيه العمال وهم الذين ترتبط مصالح الدنيا بأعمالهم وهم الأجناد المرتزقة الذين يحرسون المملكة بالسيوف عن أهل العداوة وأهل البغي وأعداء الإسلام .

التالي السابق


(النظر الثاني من هذا الباب في قدر المأخوذ وصفة الآخذ، ولنفرض المال من أموال الصالح ; لأن فيه أخماس الفيء والمواريث) ، كذا في النسخ وفي بعضها كأربعة أخماس الفيء والمواريث، (فإن ما عداه مما يتعين مستحقه إن كان من وقف أو صدقة أو خمس فيء أو خمس غنيمة) ، كما ذكره في كتاب الزكاة، (وما كان من ملك السلطان مما أحياه أو اشتراه، فله أن يعطي ما شاء لمن شاء، وأما النظر في الأموال الضائعة) التي لم يوجد مالكها، (ومال المصالح، فلا يجوز صرفه إلا إلى من فيه مصلحة عامة، وهو محتاج إليه عاجز عن الكسب) ، وتدبير المعاش، (فأما الغني الذي لا مصلحة فيه فلا يجوز صرف مال بيت المال إلا لمن فيه مصلحة، هذا هو الصحيح، وإن كان العلماء قد اختلفوا فيه) اعلم أنهم اختلفوا في مال الفيء، هل يخمس ، وهو ما أخذ من مشرك لأجل الكفر بغير قتال كالجزية المأخوذة عن الرؤوس والأرضين باسم الخراج، وما تركوه فزعا وهربوا، ومال المرتد إذا قتل في ردته، ومال من مات منهم ولا وارث له، ومن يؤخذ منهم من العشر إذا اختلفوا إلى بلاد المسلمين، وما صولحوا عليه، فقال أبو حنيفة وأحمد في المنصوص عنه من رواية: هو للمسلمين كافة، فلا يخمس، وجميعه لمصالح المسلمين، وقال مالك : كل ذلك فيء غير مقسوم يصرفه الإمام في مصالح المسلمين [ ص: 120 ] بعد أخذ حاجته منه، وقال الشافعي : يخمس وقد كان حلا لرسول الله صلى الله عليه وسلم وما يصنع به بعد وفاته; فيه عنه قولان، أحدهما للمصالح، والثاني للمقاتلة، واختلف قوله فيما يخمس منه في الجديد من قوله: إنه يخمس جميعه، والقديم لا يخمس إلا أن يكون ما تركوه فزعا وهربوا، وعن أحمد رواية أخرى ذكرها الخرقي في مختصره أن الفيء يخمس جميعه على ظاهر كلامه .

(وفي كلام عمر رضي الله عنه ما يدل على أن لكل مسلم حقا في مال بيت المال لكونه مسلما مكثرا لجمع الإسلام) ، وسواد المسلمين، (ولكنه مع هذا ما كان يقسم المال على المسلمين كافة، بل على الخصوص) ، وفي نسخة: (على مخصوصين) بصفات، (فإذا ثبت هذا، فكل من يتولى أمرا يقوم به) ، ويكون بإزائه (تتعدى مصلحته إلى المسلمين، ولو اشتغل بالكسب لتعطل عليه ما هو فيه فله في بيت المال حق الكفاية) ، أي: قدر ما يكفيه .

(ويدخل في ذلك العلماء كلهم) ، يعني أصناف أهل العلم، (أعني العلوم التي تتعلق بمصالح الدين كعلم الفقه والحديث والتفسير والقراءة) ، وما تتوقف عليه مما هو جار مجرى الوسائل والوسائط، كالنحو والصرف والمعاني والبيان، فلها حكم علوم الدين (حتى يدخل فيه المعلمون) للصبيان في الكتاب، (والمؤذنون) في المساجد، (وطلبة هذه العلوم أيضا يدخلون فيه) سواء كان طلبه من شهر أو سنة أو أزيد أو أقل، (فإنهم إن لم يكفوا) مؤنتهم من بيت المال (لم يتمكنوا من الطلب) ، ولولا الطلب ما انتهى إلى حد العلماء، ويدخل فيه أيضا القضاة، فإن لهم أيضا كفايتهم من بيت المال ليثبتوا الحقوق ويردعوا الظالم، (ويدخل فيه) أيضا (العمال وهم الذين ترتبط مصالح الدنيا بأعمالهم وهم الأجناد المرتزقة) ; لأن المال المذكور مأخوذ بقوة المسلمين فيصرف إلى مصالحهم، وهؤلاء عملة المسلمين قد حبسوا أنفسهم لمصالحهم، فكان إليهم تقوية للمسلمين، ولو لم يعطوا لاحتاجوا إلى الاكتساب وتعطلت مصالح المسلمين، ولذا قال المصنف: (الذين يحرسون المملكة بالسيوف عن أهل العداوة وأهل البغي) والفساد (وأعداء الإسلام) ، ونفقة الذراري على الآباء فيعطون كفايتهم كي لا يشتغلوا بها عن مصالح المسلمين .




الخدمات العلمية