الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم أي لا ينهاكم سبحانه وتعالى عن البر بهؤلاء كما يقتضيه كون أن تبروهم بدل اشتمال من الموصول وتقسطوا إليهم أي تفضوا إليهم بالقسط أي العدل ، فالفعل مضمن معنى الإفضاء ولذا عدي بإلى إن الله يحب المقسطين أي العادلين .

                                                                                                                                                                                                                                      أخرج البخاري وغيره عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله تعالى عنهما قالت : أتتني أمي راغبة وهي مشركة في عهد قريش إذ عاهدوا رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فسألت رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم أأصلها ؟ فأنزل الله تعالى لا ينهاكم الله إلخ ، فقال عليه الصلاة والسلام : «نعم صلي أمك » وفي رواية الإمام أحمد وجماعة عن عبد الله بن الزبير قال : قدمت قتيلة بنت عبد العزى على ابنتها أسماء بنت أبي بكر بهدايا .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 75 ]

                                                                                                                                                                                                                                      صناب وأقط وسمن وهي مشركة فأبت أسماء أن تقبل هديتها أو تدخلها بيتها حتى أرسلت إلى عائشة رضي الله تعالى عنها أن تسأل رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم عن هذا فسألته فأنزل الله تعالى لا ينهاكم الله الآية فأمرها أن تقبل هديتها وتدخلها بيتها
                                                                                                                                                                                                                                      .

                                                                                                                                                                                                                                      وقتيلة هذه - على ما في التحرير - كانت امرأة أبي بكر رضي الله تعالى عنه فطلقها في الجاهلية وهي أم أسماء حقيقة ، وعن ابن عطية أنها خالتها وسمتها أما مجازا ، والأول هو المعول عليه ، وقال الحسن وأبو صالح : نزلت الآية في خزاعة وبني الحارث بن كعب وكنانة ومزينة وقبائل من العرب كانوا صالحوا رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن لا يقاتلوه ولا يعينوا عليه ، وقال قرة الهمداني وعطية العوفي : نزلت في قوم من بني هاشم منهم العباس .

                                                                                                                                                                                                                                      وعن عبد الله بن الزبير أنها نزلت في النساء والصبيان من الكفرة ، وقال مجاهد : في قوم بمكة آمنوا ولم يهاجروا فكان المهاجرون والأنصار يتحرجون من برهم لتركهم فرض الهجرة ، وقيل : في مؤمنين من أهل مكة وغيرها أقاموا بين الكفرة وتركوا الهجرة - أي مع القدرة عليها -وقال النحاس والثعلبي : نزلت في المستضعفين من المؤمنين الذين لم يستطيعوا الهجرة ، والأكثرون على أنها في كفرة اتصفوا بما في حيز الصلة ، وعلى ذلك قال الكيا : فيها دليل على جواز التصدق على أهل الذمة دون أهل الحرب وعلى وجوب النفقة للأب الذمي دون الحربي لوجوب قتله ، ويخطر لي أني رأيت في الفتاوى الحديثية لابن حجر عليه الرحمة الاستدلال بها على جواز القيام لأهل الذمة لأنه من البر والإحسان إليهم ولم ننه عنه ، لكن راجعت تلك الفتاوى عند كتابتي هذا البحث فلم أظفر بذلك ، ومع هذا وجدته نقل في آخر الفتاوى الكبرى في باب السير عن العز بن عبد السلام أنه لا يفعل القيام لكافر لأنا مأمورون بإهانته وإظهار صغاره فإن خيف من شره ضرر عظيم جاز لأن التلفظ بكلمة الكفر جائز للإكراه فهذا أولى ، ولم يتعقبه بشيء ، ثم إن في كون القيام من البر مطلقا ترددا ، وتخصيص العز جواز القيام للكافر بما إذا خيف ضرر عظيم مخالف لقول ابن وهبان من الحنفية :


                                                                                                                                                                                                                                      وللميل أو للمال يخدم كافر وللميل للإسلام لو قام يغفر



                                                                                                                                                                                                                                      ومن الناس من يجعل كل مصلحة دينية كالميل للإسلام لكن بشرط أن لا يقصد القائم تعظيما ، والله تعالى أعلم ، ونقل الخفاجي عن الدر المنثور أن هذه الآية منسوخة بقوله تعالى : فاقتلوا المشركين [التوبة : 5] الآية ، والاستدلال بها على ما سمعت بتقدير عدم النسخ إن تم إنما يتم على بعض الأقوال فيها .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية