الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                        وما لهم ألا يعذبهم الله وهم يصدون عن المسجد الحرام وما كانوا أولياءه إن أولياؤه إلا المتقون ولكن أكثرهم لا يعلمون وما [ ص: 315 ] كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون

                                                                                                                                                                                                                                        قوله عز وجل: وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية في المكاء قولان: أحدهما: أنه إدخال أصابعهم في أفواههم ، قاله مجاهد . والثاني: هو أن يشبك بين أصابعه ويصفر في كفه بفيه فيكون المكاء هو الصفير ، ومنه قول عنترة:


                                                                                                                                                                                                                                        وحليل غنية تركت مجدلا تمكو فريصته بشدق الأعلم



                                                                                                                                                                                                                                        أي تصفر بالريح لما طعنته. وأما التصدية ففيها خمسة أقاويل: أحدهما: أنه التصفيق ، قاله ابن عباس وابن عمر والحسن ومجاهد وقتادة والسدي ومنه قول عمرو بن الإطنابة:


                                                                                                                                                                                                                                        وظلوا جميعا لهم ضجة     مكاء لدى البيت بالتصدية



                                                                                                                                                                                                                                        والثاني: أنه الصد عن البيت الحرام ، قاله سعيد بن جبير وابن زيد . والثالث: أن يتصدى بعضهم لبعض ليفعل مثل فعله ، ويصفر له إن غفل عنه ، قاله بعض المتأخرين.

                                                                                                                                                                                                                                        الرابع: أنها تفعلة من صد يصد ، وهو الضجيج ، قاله أبو عبيدة . ومنه قوله تعالى: إذا قومك منه يصدون [الزخرف: 57] أي يضجون.

                                                                                                                                                                                                                                        الخامس: أنه الصدى الذي يجيب الصائح فيرد عليه مثل قوله ، قاله ابن بحر . فإن قيل: فلم سمى الله تعالى ما كانوا يفعلونه عند البيت من المكاء والتصدية صلاة وليس منها؟ [ ص: 316 ] قيل عن ذلك جوابان: أحدهما: أنهم كانوا يقيمون التصفيق والصفير مقام الدعاء والتسبيح فجعلوا ذلك صلاة وإن لم يكن في حكم الشرع صلاة. والثاني: أنهم كانوا يعملون كعمل الصلاة. فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون فيه قولان: أحدهما: عذاب السيف يوم بدر ، قاله الحسن الضحاك وابن جريج وابن إسحاق. والثاني: أنه يقال لهم في الآخرة فذوقوا العذاب وفيه وجهان: أحدهما: فالقوا.

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني: فجربوا. وحكى مقاتل في نزول هذه الآية أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا صلى في المسجد الحرام قام من كفار بني عبد الدار بن قصي رجلان عن يمين النبي صلى الله عليه وسلم يصفران كما يصفر المكاء والمكاء طائر ، ورجلان منهم عن يساره يصفقان بأيديهما ليخلطوا عليه صلاته وقراءته ، فنزلت هذه الآية فيهم.

                                                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية