الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
" وفي الخبر : خير الأمراء الذين يأتون العلماء وشر العلماء الذين يأتون الأمراء .

وفي الخبر : العلماء أمناء الرسل على عباد الله ما لم يخالطوا السلطان ، فإذا فعلوا ذلك فقد خانوا الرسل ، فاحذروهم واعتزلوهم .

رواه أنس رضي الله عنه .

التالي السابق


(وفي الخبر: خير الأمراء الذين يأتون العلماء وشر العلماء الذين يأتون الأمراء ) ، أغفله العراقي ، وله شاهد من حديث عمر ، أخرجه الديلمي : إن الله يحب الأمراء إذا خالطوا العلماء، ويمقت العلماء إذا خالطوا الأمراء....... رغبوا في الدنيا، والأمراء إذا خالطوا العلماء رغبوا في الآخرة" . (وفي الخبر: العلماء) وفي رواية: الفقهاء، (أمناء الرسل على عباد الله) ، فإنهم استودعوهم الشرائع التي جاءوا بها، وهي العلوم والأعمال، وكلفوا الخلق طلب العلم، فهم أمناء عليه وعلى العمل به، فهم أمناء على الوضوء والصلاة والغسل والزكاة والحج، وعلى الاعتقادات كلها، وكل ما يلزمهم التصديق به والعلم والعمل، فمن وافق علمه عمله وسره علنه كان جاريا على سنة الأنبياء، فهو الأمين، ومن كان بضد ذلك فهو الخائن، وبين ذلك درجات، فلذلك قال: (ما لم يخالطوا السلطان، فإذا فعلوا ذلك فقد خانوا الرسل، فاحذروهم واعتزلوهم) ، فإنهم إنما يتقربون إليه باستمالة قلبه وتحسين قبيح فعله، وما يوافق هواه، ولولا ذلك لما أدناهم، (رواه أنس رضي الله عنه) ، قال العراقي : أخرجه العقيلي في المصنف في ترجمة [ ص: 126 ] حفص الأبري ، وقال: حديث غير محفوظ، وقد تقدم في العلم اهـ .

قلت: وكذا رواه الحسن بن سفيان في مسنده عن مخلد بن مالك عن إبراهيم بن رستم ، عن عمر العبدي ، عن إسماعيل بن سميع ، عن أنس ، قال ابن الجوزي : موضوع، إبراهيم لا يعرف، والعبدي متروك، ونازعه الجلال السيوطي فقال: قوله هذا ممنوع وله شواهد فوق الأربعين، فيحكم له على مقتضى صناعة الحديث بالحسن اهـ .

ورواه كذلك الحاكم في التاريخ، وأبو نعيم في الحلية، والديلمي في مسند الفردوس، والرافعي في تاريخ قزوين إلا أن لفظ الحاكم : "ما لم يداخلوا السلطان، فإذا داخلوه فقد خانوا الرسل، فاعتزلوهم" . ولفظ العقيلي : "أمناء الله على خلقه، وفيه: فقد خانوا الله والرسول" .

وأخرج العسكري من حديث علي : الفقهاء أمناء الرسل ما لم يدخلوا في الدنيا ويتبعوا السلطان، فإذا فعلوا ذلك فاحذروهم .



(فصل) :

وأورد الجلال السيوطي في كتاب الأساطين في عدم المجيء إلى السلاطين أخبارا غير التي أوردها المصنف، فناسب أن نذكرها هنا تتميما للفوائد، قال: أخرج أبو داود والترمذي وحسنه، والنسائي والبيهقي في الشعب من حديث ابن عباس : "من سكن البادية جفا، ومن اتبع الصيد غفل، ومن أتى أبواب السلطان افتتن" .

وأخرج الديلمي في مسند الفردوس من حديث أبي هريرة : "إذا رأيت العالم يخالط السلطان مخالطة كثيرة، فاعلم أنه لص" .

وأخرج ابن ماجه بسند رواته ثقات من حديث ابن عباس : "أن أناسا من أمتي يتفقهون في الدين ويقرؤون القرآن، ويقولون نأتي الأمراء فنصيب من دنياهم، ونعتزلهم بديننا، ولا يكون ذلك كما لا يجتنى من القتاد إلا الشوك، كذلك لا يجتنى من قربهم إلا الخطايا" ، وأخرجه ابن عساكر مثله .

وأخرج الطبراني في الأوسط بسند رجاله ثقات عن ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: قلت: يا رسول الله، أمن أهل البيت أنا؟ فسكت ثم قال في الثالثة: نعم، ما لم تقم على باب سدة أو تأتي أميرا تسأله" .

قال الحافظ المنذري في الترغيب والترهيب: المراد بالسدة هنا باب السلطان ونحوه .

وأخرج الحاكم في تاريخه والديلمي من حديث معاذ بن جبل : "ما من عالم أتى صاحب سلطان طوعا إلا كان شريكه في كل لون يعذب به في نار جهنم" .

وأخرج أبو الشيخ في حديث ابن عمر : "من قرأ القرآن وتفقه في الدين، ثم أتى صاحب سلطان طمعا لما في يده طبع الله على قلبه، وعذب كل يوم بلونين من العذاب لم يعذب به قبل ذلك" .

وأخرج أبو الشيخ في الثواب من حديث معاذ : "إذا قرأ الرجل القرآن وتفقه في الدين، ثم أتى باب السلطان تملقا إليه وطمعا في يده خاض بقدر خطاه في نار جهنم" .

وأخرجه الحاكم في تاريخه من حديث معاذ مثله، وأخرجه الديلمي من حديث أبي الدرداء بلفظ: من مشى إلى سلطان جائر طوعا من ذات نفسه تملقا إليه بلقائه والسلام عليه، خاض نار جهنم بقدر خطاه إلى أن يرجع من عنده إلى منزله، فإن مال إلى هواه أو شد على عضده لم يحلل به من الله لعنة إلا كان عليه مثلها ولم يعذب بنوع من العذاب إلا عذب بمثله" .

وأخرج الديلمي من حديث ابن عباس : "سيكون في آخر الزمان علماء يرغبون الناس في الآخرة ولا يرغبون، ويزهدون الناس في الدنيا ولا يزهدون، وينهون عن غشيان الأمراء ولا ينتهون" .

وأخرج الحسن بن سفيان في مسنده، والديلمي من حديث ابن عمر : "اتقوا أبواب السلطان وحواشيها، فإن أقرب الناس منها أبعدهم من الله، ومن آثر سلطانا على الله جعل الله الفتنة في قلبه ظاهرة وباطنة، وأذهب عنه الورع وتركه حيران" .

وأخرج البيهقي من حديث رجل من بني سليم : "إياكم وأبواب السلطان" .

وأخرج الديلمي من حديث علي : "إياكم ومجالسة السلطان، فإنه ذهاب الدين، وإياكم ومعونته فإنكم لا تحمدون أمره" .

وأخرج البيهقي من حديثه: "اتقوا أبواب السلطان" .

وأخرج الديلمي من حديثه: "أفضل التابعين من أمتي من لا يقرب أبواب السلطان" .

وأخرج أيضا من حديث ابن الأعور والسلمي : "إياكم وأبواب السلطان" .

وأخرج الدارمي في مسنده من حديث ابن مسعود : "من أراد أن يكرم دينه فلا يدخل على سلطان، ولا يخلون بالنسوان، ولا يخاصمن أصحاب الأهواء" .

وأخرج ابن ماجه والبيهقي من حديث ابن مسعود : "لو أن أهل العلم صانوا العلم ووضعوه عند أهله لساووا [ ص: 127 ] به أهل زمانهم، ولكنهم بذلوه لأهل الدنيا; لينالوا من دنياهم، فهانوا عليهم، سمعت نبيكم صلى الله عليه وسلم يقول: "من جعل الهم هما واحدا هم آخرته كفاه الله ما أهمه من أمر دنياه، وما تشعبت به الهموم في أحوال الدنيا لم يبال الله في أي أوديتها هلك" .

وأخرج ابن عساكر من حديث أبي أمامة الباهلي : "أبعد الخلق من الله رجل يجالس الأمراء، فما قالوا من جور صدقهم عليه" . إلى هنا ما نقله من كتاب الأساطين وهي الأحاديث المرفوعة وسيأتي ذكر بعضها في أثناء شرح كلام المصنف في الآثار .




الخدمات العلمية