الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          ضيع

                                                          ضيع : ضيعة الرجل : حرفته وصناعته ومعاشه وكسبه . يقال : ما ضيعتك ؟ أي ما حرفتك ؟ . وإذا انتشرت على الرجل أسبابه قيل : فشت ضيعته حتى لا يدري بأيها يبدأ ، ومعنى فشت أي كثرت . قال شمر : كانت ضيعة العرب سياسة الإبل والغنم ، قال : ويدخل في الضيعة الحرفة والتجارة . يقال للرجل : قم إلى ضيعتك . قال الأزهري : الضيعة والضياع عند الحاضرة مال الرجل من النخل والكرم والأرض ، والعرب لا تعرف الضيعة إلا الحرفة والصناعة ، قال : وسمعتهم ويقولون : ضيعة فلان الجزارة ، وضيعة الآخر الفتل وسف الخوص وعمل النخل ورعي الإبل وما أشبه ذلك كالصنعة والزراعة وغير ذلك . وفي حديث ابن مسعود : لا تتخذوا الضيعة فترغبوا في الدنيا . وفي حديث حنظلة : ( عافسنا الأزواج والضيعات ) ; أي المعايش . والضيعة : العقار . والضيعة : الأرض المغلة ، والجمع ضيع مثل بدرة وبدر وضياع ، فأما ضيع فكأنه إنما جاء على أن واحدته ضيعة ، وذلك لأن الياء مما سبيله أن يأتي تابعا للكسرة ، وأما ضياع فعلى القياس . وأضاع الرجل : كثرت ضيعته وفشت ، فهو مضيع ; قال ابن بري : شاهده ما أنشده أبو العباس :


                                                          إن كنت ذا زرع ونخل وهجمة فإني أنا المثري المضيع المسود



                                                          وفلان أضيع من فلان أي أكثر ضياعا منه ، وتصغير الضيعة ضييعة ولا تقل : ضويعة . وقال الليث : الضياع المنازل ، سميت ضياعا لأنها إذا ترك تعهدها وعمارتها تضيع . وفشت عليه ضيعته : كثر ماله عليه فلم يطق جبايته ، وفي الحديث : أفشى الله ضيعته أي أكثر عليه معاشه . وفشت عليه الضيعة : أخذ فيما لا يعنيه من الأمور . ومن أمثالهم : إني لأرى ضيعة لا يصلحها إلا ضجعة ; قالها راع وفضت عليه إبله في المرعى فأراد جمعها فتبددت عليه فاستغاث حين عجز بالنوم ; وقال جرير :


                                                          وقلن تروح لا يكن لك ضيعة     وقلبك مشغول ، وهن شواغله



                                                          وقد تكون الضيعة من الضياع ، وفي الحديث : أنه نهى عن إضاعة المال ; يعني إنفاقه في غير طاعة الله والتبذير ، والإسراف ; وأنشد ابن بري للعرجي :


                                                          أضاعوني ، وأي فتى أضاعوا !     ليوم كريهة وسداد ثغر



                                                          وفي حديث سعد : " إني أخاف على الأعناب الضيعة " ; أي أنها تضيع وتتلف . والضيعة في الأصل : المرة من الضياع ، والضيعة والضياع : الإهمال . ضاع الشيء يضيع ضيعة وضياعا ، بالفتح : هلك ; ومنه قولهم : فلان بدار مضيعة مثال معيشة . وفي حديث عمر - رضي الله عنه - : " ولا تدع الكسير بدار مضيعة " ، وفي حديث كعب بن مالك : " ولم يجعلك الله بدار هوان ولا مضيعة " ; المضيعة ، بكسر الضاد ، مفعلة من الضياع الاطراح والهوان كأنه فيه ضائع ، فلما كانت عين الكلمة ياء وهي مكسورة ، نقلت حركتها إلى العين ، فسكنت الياء فصارت بوزن معيشة ، والتقدير فيهما سواء . وتركهم بضيعة ومضيعة ومضيعة . ومات ضيعة وضيعا وضياعا أي غير مفتقد ، وأضاعه وضيعه . وفي التنزيل : وما كان الله ليضيع إيمانكم ، وفيه : أضاعوا الصلاة ; جاء في التفسير : أنهم صلوها في غير وقتها ، وقيل : تركوها البتة وهو أشبه لأنه عنى به الكفار ، ودليله قوله - عز وجل - بعد ذلك : إلا من تاب وآمن . والضياع : العيال نفسه . وفي الحديث : " فمن ترك ضياعا فإلي " ; التفسير للنضر : العيال ، حكاه الهروي في الغريبين ، قال ابن الأثير : وأصله مصدر ضاع يضيع ضياعا فسمي العيال بالمصدر كما تقول : من مات فترك فقرا أي فقراء ، وإن كسرت الضاد كان جمع ضائع كجائع وجياع ; ومنه الحديث : تعين ضائعا أي ذا ضياع من فقر أو عيال أو حال قصر عن القيام بها ، ورواه بعضهم بالصاد المهملة والنون ، وقيل : إنه الصواب ، وقيل : هو في حديث بالمهملة ، وفي آخر بالمعجمة ، وكلاهما صواب في المعنى . وأضاع الرجل عياله وماله وضيعهم إضاعة وتضييعا ، فهو مضيع ومضيع . والإضاعة والتضييع بمعنى ; وقول الشماخ :


                                                          أعائش ، ما لأهلك لا أراهم     يضيعون السوام مع المضيع
                                                          وكيف يضيع صاحب مدفآت     على أثباجهن من الصقيع ؟



                                                          قال الباهلي : كان الشماخ صاحب إبل يلزمها ويكون فيها فقالت له هذه المرأة : إنك قد أفنيت شبابك في رعي الإبل ، ما لك لا تنفق مالك ولا تتفتى ؟ فقال لها الشماخ : ما لأهلك لا يفعلون ذلك وأنت تأمرينني أن أفعله ؟ ثم قال لها : وكيف أضيع إبلا هذه الصفة صفتها ؟ ودل على هذا قوله على أثر هذا البيت :


                                                          لمال المرء يصلحه فيغني     مفاقره ، أعف من القنوع



                                                          يقول : لأن يصلح المرء ماله ويقوم عليه ولا يضيعه خير من القنوع وهو المسألة . ورجل مضياع للمال أي مضيع . وفي المثل : الصيف [ ص: 77 ] ضيعت اللبن ; هكذا يقال إذا خوطب به المذكر والمؤنث والاثنان والجمع ، بكسر التاء ، لأن أصل المثل إنما خوطب به امرأة ، وكانت تحت رجل موسر ، فكرهته لكبره فطلقها فتزوجها رجل مملق ، فبعثت إلى زوجها الأول تستميحه ، فقال لها هذا ، فأجابته : هذا ومذقه خير ، فجرى المثل على الأصل ، والصيف منصوب على الظرف . وضاع عياله من بعده : خلوا من عائل فاختلوا . وتضيعت الرائحة : فاحت وانتشرت كتضوعت . وقولهم : فلان يأكل في معى ضائع أي جائع . وقيل لابنة الخس : ما أحد شيء ؟ قالت : ناب جائع يلقي في معى ضائع .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية