الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

أسرار التكرار في القرآن

الكرماني - محمود بن حمزة الكرماني

[ ص: 95 ] سورة النساء

69 - قوله في هذه السورة : والله عليم حليم . ليس غيره ، أي : عليم بالمضارة ، حليم عن المضادة .

70 - قوله : خالدين فيها وذلك الفوز العظيم بالواو ، وفي براءة : ذلك بغير واو ؛ لأن الجملة إذا وقعت ( بعد جملة ) أجنبية لا تحسن إلا بحرف العطف ، وإن كان في الجملة الثانية ما يعود إلى الأولى حسن إثبات حرف العطف ، وحسن الحذف اكتفاء بالعائد ، ولفظ " ذلك " في الآيتين يعود إلى ما قبل الجملة ، فحسن الحذف والإثبات فيهما ، ولتخصيص هذه السورة بالواو وجهان لم يكونا في براءة :

أحدهما : موافقة لما قبلها ، وهي جملة مبدوءة بالواو ، وذلك قوله : ومن يطع الله .

والثاني : موافقة لما بعدها ، وهو قوله : وله بعد قوله : خالدا فيها .

وفي براءة : أعد الله بغير واو ، ولذلك قال : " ذلك " بغير واو .

71 - قوله : محصنين غير مسافحين ، في أول [ ص: 96 ] السورة ، وبعدها : محصنات غير مسافحات ولا متخذات أخدان ، وفي المائدة : محصنين غير مسافحين ولا متخذي أخدان ؛ لأن في هذه السورة وقع في حق الأحرار المسلمين ، فاقتصر على لفظ غير مسافحين . والثانية الجواري . وما في المائدة في الكتابيات فقال : ولا متخذي أخدان ، حرمة للحرائر المسلمات ؛ لأنهن إلى الصيانة أقرب ، ومن الخيانة أبعد ، ولأنهن لا يتعاطين ما يتعاطاه الإماء والكتابيات من اتخاذ الأخدان .

72 - قوله : فامسحوا بوجوهكم وأيديكم في هذه السورة ، وزاد في المائدة : منه ؛ لأن المذكور في هذه بعض أحكام الوضوء والتيمم ، فحسن الحذف ، والمذكور في المائدة جميع أحكامهما ، فحسن الإثبات والبيان .

73 - قوله : إن الله لا يغفر أن يشرك به . ختم الآية مرة بقوله : فقد افترى ، ومرة بقوله : فقد ضل ؛ لأن الأول نزل في اليهود ، وهم الذين افتروا على الله ما ليس في كتابهم ، والثاني نزل في الكفار ولم يكن لهم كتاب ، فكان ضلالهم أشد .

74 - قوله : يا أيها الذين أوتوا الكتاب ، وفي غيرها : " يا أهل الكتاب " " 3 : 65 ، 70 ، 71 ، 99 و 5 : 19 ، 59 . . . إلخ " . لأنه سبحانه استخف بهم في هذه الآية وبالغ ، ثم ختم بالطمس ، ورد [ ص: 97 ] الوجوه على الأدبار ، واللعن ، وبأنها كلها واقعة بهم .

75 - قوله : درجة ، ثم في الآيات الأخرى : " درجات " " 96 و 3 : 163 و 4 : 96 و 6 : 83 و 132 " ، لأن الأولى في الدنيا ، والثانية في الجنة . وقيل : الأولى المنزلة ، والثانية المنزل وهو درجات . وقيل : الأولى على القاعدين بعذر ، والثانية على القاعدين بغير عذر .

76 - قوله : ومن يشاقق الرسول ، بالإظهار في هذه السورة ، وكذلك في الأنفال " 13 " . وفي الحشر بالإدغام " 4 " ؛ لأن الثاني من المثلين إذا تحرك بحركة لازمة وجب إدغام الأول في الثاني ، ألا ترى أنك تقول : " اردد له " بالإظهار ، ولا يجوز : " ارددا " ، أو " ارددوا " ، أو " ارددي " ؛ لأنها تحركت بحركة لازمة ، والألف واللام في " الله " لازمتان ، فصارت حركة القاف لازمة ، وليس الألف واللام في " الرسول " كذلك .

وأما في الأنفال فلانضمام الرسول إليه في العطف ، ولم يدغم فيها ؛ لأن التقدير في القافات قد اتصل بهما ، فإن الواو توجب ذلك .

[ ص: 98 ] 77 - قوله : كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ، وفي المائدة : قوامين لله شهداء بالقسط ؛ لأن لله في هذه السورة متصل ومتعلق بالشهادة بدليل قوله : ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين ، أي : ولو تشهدون عليهم . وفي المائدة منفصل ومتعلق بقوامين ، والخطاب للولاة بدليل قوله : ولا يجرمنكم شنآن قوم الآية .

78 - قوله : إن تبدوا خيرا أو تخفوه في هذه السورة ، وفي الأحزاب : إن تبدوا شيئا ؛ لأن في هذه السورة وقع الخبر في مقابلة السوء في قوله : لا يحب الله الجهر بالسوء . والمقابلة اقتضت أن يكون بإزاء السوء الخير ، وفي الأحزاب وقع بعدها : لئن لم ينته المنافقون والذين في قلوبهم مرض . فاقتضى العموم ، وأعم الأسماء شيء ، ثم ختم الآية بقوله : فإن الله كان بكل شيء عليما .

79 - قوله : وإن تكفروا فإن لله ما في السماوات والأرض .

[ ص: 99 ] وسائر ما في هذه السورة : " ما في السماوات وما في الأرض " ؛ لأن الله سبحانه ذكر أهل الأرض في هذه الآية تبعا لأهل السماوات ، ولم يفردهم بالذكر ؛ لانضمام المخاطبين إليهم ، ودخولهم في زمرتهم ، وهم كفار عبدة أوثان ، وليسوا بمؤمنين ولا من أهل الكتب ، لقوله : وإن تكفروا ، وليس هذا قياسا مطردا ، بل علامة .

80 - قوله : يستفتونك بغير واو ؛ لأن الأول لما اتصل بما بعده وهو قوله : في النساء وصله بما قبله بواو العطف والعائد جميعا ، ( والثاني لما انفصل عما بعده ) اقتصر من الاتصال على العائد وهو ضمير المستفتين ، وفي الآية متصل بقوله : يفتيكم ، وليس بمتصل بقوله : يستفتونك ؛ لأن ذلك يستدعي : قل الله يفتيكم في الكلالة . والذي يتصل بيستفتونك محذوف يحتمل أن يكون في الكلالة ، ويحتمل أن يكون فيما بدا لهم من الوقائع .

التالي السابق


الخدمات العلمية