الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          باب ما جاء أن مفتاح الصلاة الطهور

                                                                                                          3 حدثنا قتيبة وهناد ومحمود بن غيلان قالوا حدثنا وكيع عن سفيان ح وحدثنا محمد بن بشار حدثنا عبد الرحمن بن مهدي حدثنا سفيان عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن محمد بن الحنفية عن علي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال مفتاح الصلاة الطهور وتحريمها التكبير وتحليلها التسليم قال أبو عيسى هذا الحديث أصح شيء في هذا الباب وأحسن وعبد الله بن محمد بن عقيل هو صدوق وقد تكلم فيه بعض أهل العلم من قبل حفظه قال أبو عيسى وسمعت محمد بن إسمعيل يقول كان أحمد بن حنبل وإسحق بن إبراهيم والحميدي يحتجون بحديث عبد الله بن محمد بن عقيل قال محمد وهو مقارب الحديث قال أبو عيسى وفي الباب عن جابر وأبي سعيد

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          قوله : ( باب : ما جاء أن مفتاح الصلاة الطهور ) بضم الطاء المهملة .

                                                                                                          [ ص: 32 ] قوله : ( حدثنا هناد وقتيبة ) تقدم ترجمتهما ( ومحمود بن غيلان ) العدوي مولاهم المروزي ، أبو أحمد أحد أئمة الأثر ، حدث عن سفيان بن عيينة والفضل بن موسى السيناني والوليد بن مسلم وأبي عوانة ووكيع وخلق ، وعنه الجماعة سوى أبي داود ، قال أحمد بن حنبل : أعرف بالحديث صاحب سنة ، وقال النسائي : ثقة ، كذا في تذكرة الحفاظ توفي سنة 239 تسع وثلاثين ومائتين .

                                                                                                          ( قالوا : نا وكيع ) تقدم ( عن سفيان ) هو الثوري وهو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري أبو عبد الله الكوفي ثقة حافظ فقيه عابد إمام حجة من رءوس الطبقة السابعة وكان ربما دلس مات سنة 161 إحدى وستين ومائة ، ومولده سنة 77 سبع وسبعين كذا في التقريب والخلاصة ، قلت : قال الحافظ في طبقات المدلسين : وهم - أي المدلسون - على مراتب : الأولى من لم يوصف بذلك إلا نادرا كيحيى بن سعيد الأنصاري ، الثانية من احتمل الأئمة تدليسه وأخرجوا له في الصحيح لإمامته وقلة تدليسه في جنب ما روى كالثوري ، أو كان لا يدلس إلا عن ثقة كابن عيينة . انتهى .

                                                                                                          ( وثنا محمد بن بشار ) لقبه بندار بضم الموحدة وسكون النون ، قال الذهبي في تذكرة الحفاظ : بندار الحافظ الكبير الإمام محمد بن عثمان العبدي البصري النساج كان عالما بحديث البصرة متقنا مجودا لم يرحل برا بأمه ثم ارتحل بعدها ، سمع معتمر بن سليمان وغندرا ويحيى بن سعيد وطبقتهم ، حدث عنه الجماعة وخلق كثير ، قال أبو حاتم صدوق ، وقال العجلي : ثقة كثير الحديث حائك ، قال ابن خزيمة في كتاب التوحيد له : حدثنا إمام أهل زمانه في العلم والأخبار محمد بن بشار . قال الذهبي : لا عبرة بقول من ضعفه ، توفي سنة 252 اثنتين وخمسين ومائتين . انتهى . وقال الخزرجي في الخلاصة : قال النسائي : لا بأس به ، وقال الذهبي : انعقد الإجماع بعد على الاحتجاج ببندار ، انتهى ما في الخلاصة .

                                                                                                          ( نا عبد الرحمن ) ابن مهدي بن حسان الأزدي مولاهم ، أبو سعيد البصري اللؤلؤي الحافظ العلم عن عمر بن ذر وعكرمة بن عمار وشعبة والثوري ومالك وخلق ، وعنه ابن المبارك وابن وهب أكبر منه ، وأحمد وابن معين ، قال ابن المديني : أعلم الناس بالحديث ابن مهدي ، وقال أبو حاتم : إمام ثقة أثبت من القطان وأتقن من وكيع ، وقال أحمد إذا حدث ابن مهدي عن رجل فهو حجة ، وقال القواريري أملى علينا ابن مهدي عشرين ألفا من حفظه ، قال ابن سعد مات سنة 198 ثمان وتسعين ومائة بالبصرة عن ثلاث وستين سنة ، وكان يحج كل سنة كذا في الخلاصة .

                                                                                                          ( عن عبد الله بن محمد بن عقيل ) بفتح العين ابن أبي طالب الهاشمي أبي محمد المدني عن أبيه وخاله محمد ابن الحنفية وعنه ابن عجلان والسفيانان ، وسيجيء كلام أئمة الحديث فيه .

                                                                                                          ( عن محمد ابن الحنفية ) هو محمد بن [ ص: 33 ] علي بن أبي طالب الهاشمي أبو محمد الإمام المعروف بابن الحنفية ، أمه خولة بنت جعفر الحنفية نسب إليها ، روى عن أبيه وعثمان وغيرهما ، وعنه بنوه إبراهيم وعبد الله والحسن وعمرو بن دينار وخلق ، قال إبراهيم بن الجنيد : لا نعلم أحدا أسند عن علي أكثر ولا أصح مما أسند محمد ابن الحنفية ، مات سنة ثمانين كذا في الخلاصة ، وقال في التقريب : ثقة عالم من الثانية مات بعد الثمانين .

                                                                                                          قوله " مفتاح الصلاة الطهور " بالضم ويفتح ، والمراد به المصدر ، وسمى النبي صلى الله عليه وسلم الطهور مفتاحا مجازا لأن الحدث مانع من الصلاة فالحدث كالقفل موضوع على المحدث حتى إذا توضأ انحل الغلق ، وهذه استعارة بديعة لا يقدر عليها إلا النبوة ، وكذلك مفتاح الجنة الصلاة لأن أبواب الجنة مغلقة يفتحها الطاعات ، وركن الطاعات الصلاة ، قاله ابن العربي .

                                                                                                          " وتحريمها التكبير " قال المظهري سمى الدخول في الصلاة تحريما لأنه يحرم الأكل والشرب وغيرهما على المصلي ، فلا يجوز الدخول في الصلاة إلا بالتكبير مقارنا به النية . انتهى . قال القاري : وهو ركن عند الشافعي ، وشرط عندنا ، ثم المراد بالتكبير المذكور في الحديث وفي قوله تعالى وربك فكبر هو التعظيم ، وهو أعم من خصوص الله أكبر وغيره مما أفاده التعظيم ، والثابت ببعض الأخبار اللفظ المخصوص فيجب العمل به حتى يكره لمن يحسنه تركه ، كما قلنا في القراءة مع الفاتحة وفي الركوع والسجود مع التعديل كذا في الكافي . قال ابن الهمام : وهذا يفيد وجوبه ظاهرا وهو مقتضى المواظبة التي لم تقترن بترك ، فينبغي أن يعول على هذا . انتهى ما في المرقاة . قال ابن العربي : قوله تحريمها التكبير يقتضي أن تكبيرة الإحرام جزء من أجزائها كالقيام والركوع والسجود ، خلافا لسعيد والزهري فإنهما يقولان إن الإحرام يكون بالنية . وقوله التكبير يقتضي اختصاص إحرام الصلاة بالتكبير دون غيره من صفات تعظيم الله تعالى وجلاله ، وهو تخصيص لعموم قوله وذكر اسم ربه فصلى فخص التكبير بالسنة من الذكر المطلق في القرآن لا سيما وقد اتصل في ذلك فعله بقوله ، فكان يكبر -صلى الله عليه وسلم - ويقول الله أكبر ، وقال أبو حنيفة : يجوز بكل لفظ فيه تعظيم لعموم القرآن ، وقد بينا أنه متعلق ، ضعيف ، وقال الشافعي : يجوز بقولك الله الأكبر ، وقال أبو يوسف يجوز بقولك الله الكبير ، أما الشافعي فأشار إلى أن الألف واللام زيادة لم تخل باللفظ ولا بالمعنى ، وأما أبو يوسف فتعلق بأنه لم يخرج من اللفظ الذي هو التكبير ، قلنا لأبي يوسف إن كان لم يخرج عن اللفظ الذي هو في الحديث فقد خرج عن اللفظ الذي جاء به الفعل ففسر المطلق في القول ، وذلك لا يجوز في العبارات التي يتطرق إليها التعليل ، وبهذا يرد على الشافعي أيضا : فإن العبادات إنما تفعل على الرسم الوارد دون نظر إلى شيء من المعنى ، قال : قال علماؤنا قوله تحريمها التكبير يقتضي اختصاص التكبير بالصلاة دون غيره من اللفظ لأنه ذكره بالألف واللام الذي هو باب شأنه التعريف كالإضافة ، وحقيقة الألف واللام [ ص: 34 ] إيجاب الحكم لما ذكر ونفيه عما لم يذكر وسلبه عنه ، وعبر عنه بعضهم بأنه الحصر ، قال : وقوله تحليلها التسليم مثله في حصر الخروج عن الصلاة على التسليم دون غيره من سائر الأفعال المناقضة للصلاة خلافا لأبي حنيفة حيث يرى الخروج منها بكل فعل وقول يضاد كالحدث ونحوه حملا على السلام وقياسا عليه وهذا يقتضي إبطال الحصر . انتهى كلام ابن العربي ملخصا . قال الحافظ ابن القيم في إعلام الموقعين : المثال الخامس عشر رد المحكم الصريح من تعيين التكبير للدخول في الصلاة بقوله إذا أقيمت الصلاة فكبر ، وقوله تحريمها التكبير ، وقوله لا يقبل الله صلاة أحدكم حتى يضع الوضوء مواضعه ثم يستقبل القبلة ويقول الله أكبر وهي نصوص في غاية الصحة ، فردت بالمتشابه من قوله تعالى وذكر اسم ربه فصلى . انتهى .

                                                                                                          " وتحليلها التسليم " التحليل جعل الشيء المحرم حلالا ، وسمي التسليم به لتحليل ما كان حراما على المصلي لخروجه عن الصلاة وهو واجب ، قال ابن الملك : إضافة التحريم والتحليل إلى الصلاة لملابسة بينهما ، وقال بعضهم أي سبب كون الصلاة محرمة ما ليس منها التكبير ومحللة التسليم أي إنها صارت بهما كذلك ، فهما مصدران مضافان إلى الفاعل ، كذا في المرقاة ، وقال الحافظ ابن الأثير في النهاية : كأن المصلي بالتكبير والدخول في الصلاة صار ممنوعا من الكلام والأفعال الخارجة عن كلام الصلاة وأفعالها فقيل للتكبير تحريم لمنعه المصلي من ذلك ، ولهذا سميت تكبيرة الإحرام أي الإحرام بالصلاة وقال : قوله تحليلها التسليم أي صار المصلي بالتسليم يحل له ما حرم عليه بالتكبير من الكلام والأفعال الخارجة عن كلام الصلاة وأفعالها كما يحل للمحرم بالحج عند الفراغ منه ما كان حراما عليه . انتهى . قال الرافعي : وقد روى محمد بن أسلم في مسنده هذا الحديث بلفظ " وإحرامها التكبير وإحلالها التسليم " .

                                                                                                          قوله : ( هذا الحديث أصح شيء في هذا الباب وأحسن ) هذا الحديث أخرجه أيضا الشافعي وأحمد والبزار وأصحاب السنن إلا النسائي وصححه الحاكم وابن السكن من حديث عبد الله بن محمد بن عقيلة عن ابن الحنفية عن علي ، قال البزار : لا يعلم عن علي إلا من هذا الوجه ، وقال أبو نعيم تفرد به ابن عقيل عن ابن الحنفية عن علي ، وقال العقيلي في إسناده لين وهو أصلح من حديث جابر كذا في التلخيص . وقال الزيلعي في نصب الراية : قال النووي في الخلاصة هو حديث حسن . انتهى .

                                                                                                          ( وعبد الله بن محمد بن عقيل هو صدوق وقد تكلم فيه بعض [ ص: 35 ] أهل العلم من قبل حفظه ) قال أبو حاتم وغيره : لين الحديث ، وقال ابن خزيمة لا يحتج به ، وقال ابن حبان رديء الحفظ يجيء بالحديث على غير سننه فوجبت مجانبة أخباره ، وقال أبو أحمد الحاكم ليس بالمتين عندهم ، وقال أبو زرعة يختلف عنه في الأسانيد ، وقال الفسوي في حديثه ضعف ، وهو صدوق ، كذا في الميزان .

                                                                                                          ( وسمعت محمد بن إسماعيل ) يعني البخاري ( يقول كان أحمد بن حنبل وإسحاق بن إبراهيم والحميدي يحتجون بحديث عبد الله بن محمد بن عقيل ، قال محمد وهو مقارب الحديث ) هذا من ألفاظ التعديل ، وتقدم تحقيقه في المقدمة ، قال الحافظ الذهبي في الميزان في ترجمة عبد الله بن محمد بن عقيل بعد ذكر أقوال الجارحين والمعدلين : حديثه في مرتبة الحسن . انتهى . فالراجح المعول عليه هو أن حديث علي المذكور حسن يصلح للاحتجاج ، وفي الباب أحاديث أخرى كلها يشهد له .

                                                                                                          قوله : ( وفي الباب عن جابر وأبي سعيد ) أما حديث جابر فأخرجه أحمد والبزار والترمذي والطبراني من حديث سليمان بن قرم عن أبي يحيى القتات عن مجاهد عنه ، وأبو يحيى القتات ضعيف ، وقال ابن عدي : أحاديثه عندي حسان ، وقال ابن العربي : حديث جابر أصح شيء في هذا الباب ، كذا قال وقد عكس ذلك العقيلي وهو أقعد منه بهذا الفن . كذا في التلخيص ، وأما حديث أبي سعيد فأخرجه الترمذي وابن ماجه وفي إسناده أبو سفيان طريف وهو ضعيف ، قال الترمذي : حديث علي أجود إسنادا من هذا كذا في التلخيص .

                                                                                                          قلت : قد أخرج الترمذي حديث أبي سعيد في كتاب الصلاة في باب ما جاء في تحريم الصلاة وتحليلها ، وقال بعد إخراجه : حديث علي بن أبي طالب : هذا أجود إسنادا وأصح من حديث أبي سعيد . انتهى .

                                                                                                          وفي الباب أيضا عن عبد الله بن زيد وابن عباس وغيرهما ، ذكر أحاديثهم الحافظ ابن حجر في التلخيص والحافظ الزيلعي في نصب الراية .




                                                                                                          الخدمات العلمية