الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 161 ] 499 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمره الملتقط بالإشهاد على ما التقطه ، وفي المراد بذلك ما هو

3133 - حدثنا يزيد بن سنان ، قال : حدثنا سعيد بن عامر الضبعي ، قال : حدثنا شعبة ، عن خالد الحذاء ، عن يزيد بن عبد الله بن الشخير ، عن مطرف - يعني ابن عبد الله - ، عن عياض بن حمار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : من التقط لقطة ، فليشهد ذا عدل ، أو قال : ذوي عدل ، ثم لا يكتم ولا يغير ، فإن جاء صاحبها ، فهو أحق بها ، وإلا فمال الله عز وجل يؤتيه من يشاء .

[ ص: 162 ] قال أبو جعفر : وقد روي هذا الحديث من غير هذه الجهة على ما ذكرنا وهو على الشك من بعض رواته فيما أمر به الملتقط فيه من إشهاد ذي عدل أو ذوي عدل ، لا على التخيير من رسول الله صلى الله عليه وسلم إياه أن يشهد على ذلك أي ذينك الصنفين شاء ، وهو حديث يدور على خالد الحذاء ، وقد اختلف رواته له عنه فيه ، فرواه شعبة عنه على ما ذكرنا ، ورواه حماد بن سلمة عليه بخلاف ذلك .

3134 - كما حدثنا يزيد بن سنان ، قال : حدثنا موسى بن إسماعيل ، قال : حدثنا حماد بن سلمة ، عن خالد الحذاء ، عن أبي قلابة ، عن مطرف بن عبد الله ، عن عياض بن حمار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن اللقطة ، فقال : تعرف ولا تغيب ولا تكتم ، فإن جاء صاحبها وإلا فهو مال الله عز وجل يؤتيه من يشاء " .

قال أبو جعفر : فاختلف شعبة وحماد في إسناد ما ذكرنا ، فذكره شعبة ، عن خالد ، عن يزيد ، عن مطرف ، وذكره حماد ، عن خالد ، عن أبي قلابة ، عن مطرف ، واختلفا في متنه ، فذكر فيه شعبة الإشهاد ، [ ص: 163 ] ولم يذكره حماد .

وقد رواه حماد أيضا من طريق غير هذا الطريق يرجع إلى مطرف ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم .

3135 - كما حدثنا يزيد بن سنان ، قال : حدثنا موسى بن إسماعيل ، قال : حدثنا حماد ، عن سعيد ، عن أبي العلاء ، عن مطرف ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، فذكر مثله ، أعني حديث عياض بن حمار الذي بدأنا بذكره في هذا الباب .

فاحتجنا إلى الوقوف على حفظ ما في هذا الحديث من ذي عدل أو ذوي عدل ما هي ؟

3136 - فوجدنا محمد بن خزيمة قد حدثنا ، قال : حدثنا معلى بن أسد ، قال : حدثنا عبد العزيز بن المختار ، عن خالد الحذاء ، عن يزيد بن الشخير ، عن مطرف بن الشخير ، عن عياض بن حمار المجاشعي ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : من التقط لقطة ، فليشهد ذوي عدل ، ولا يكتم ، ولا يغيب ، فإن جاء ربها فهو [ ص: 164 ] أحق بها ، وإلا فمال الله يؤتيه من يشاء .

3137 - ووجدنا أحمد بن شعيب قد حدثنا قال : حدثنا علي بن حجر ، قال : حدثنا هشيم ، عن خالد - وهو الحذاء - ، عن يزيد بن عبد الله بن الشخير ، عن مطرف ، عن عياض بن حمار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : من أخذ لقطة ، فليشهد ذوي عدل ، وليحفظ عفاصها ووكاءها ، ولا يكتم ولا يغيب ، فإن جاء صاحبها فهو أحق بها ، وإن لم يجئ صاحبها ، فهو مال الله يؤتيه من يشاء .

فوقفنا بذلك على أن حقيقة ما في الحديث الأول من ذي عدل أو ذوي عدل هي : ذوا عدل ، فاحتمل أن يكون المراد بذلك إخراج اللقيط عند الناس أن يكون التقاطه إياها كان ليذهب بها ، فيكون بذلك مذموما عندهم ، ساقط العدل به ، واحتمل أن يكون أريد به حفظ اللقطة على صاحبها ، وأن تكون اليد التي وقعت عليها بالالتقاط هي يد الملتقط طالبا بالتقاطه إياها حفظها على صاحبها ، لا يد حائز لها ، أخذها لنفسه لا لصاحبها .

فنظرنا في ذلك ، فوجدنا الأيدي على الأشياء حجة يجب بها [ ص: 165 ] صرف الأشياء إلى ما تصرف إليه ما تملكه دون ملك الأيدي من قبول أقوالهم فيها ، ومن صرفها بعد وفاتهم في قضاء ديونهم ، وفي مواريثهم ، وفي وصاياهم ، فكان حقا على ذوي الأيدي فيما وقع في أيديهم على السبيل التي ذكرنا أن يقيموا الحجة على أنفسهم لمالكي ما صار في أيديهم من ذلك بالإقرار به ، والإشهاد عليه ؛ لتقوم الحجة أنه في أيديهم على سبيل ما يكون اللقط عليه من امتثال الواجب فيها ، ومن منع المواريث منها ، وصرفها فيما يصرف فيه ما سواها ، وحتى تكون محفوظة كذلك ، وحتى يكون كل من وقعت يده عليها سوى ملتقطها يتمثل فيها الواجب حتى تصير إلى يد ربها ، أو إلى ما سواها مما يجب أن تصير إليه من الأحكام التي أمر الله تعالى بها فيها على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم ، والله عز وجل نسأله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية