الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
فصل في غزوة المريسيع

وكانت في شعبان سنة خمس ، وسببها : أنه لما بلغه صلى الله عليه وسلم أن الحارث بن [ ص: 230 ] أبي ضرار سيد بني المصطلق سار في قومه ، ومن قدر عليه من العرب يريدون حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فبعث بريدة بن الحصيب الأسلمي يعلم له ذلك ، فأتاهم ولقي الحارث بن أبي ضرار ، وكلمه ورجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأخبره خبرهم ، فندب رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس ، فأسرعوا في الخروج ، وخرج معهم جماعة من المنافقين لم يخرجوا في غزاة قبلها ، واستعمل على المدينة زيد بن حارثة ، وقيل : أبا ذر ، وقيل : نميلة بن عبد الله الليثي ، وخرج يوم الاثنين لليلتين خلتا من شعبان ، وبلغ الحارث بن أبي ضرار ، ومن معه مسير رسول الله صلى الله عليه وسلم وقتله عينه الذي كان وجهه ليأتيه بخبره ، وخبر المسلمين ، فخافوا خوفا شديدا ، وتفرق عنهم من كان معهم من العرب ، وانتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المريسيع ، وهو مكان الماء ، فضرب عليه قبته ، ومعه عائشة وأم سلمة ، فتهيئوا للقتال ، وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه ، وراية المهاجرين مع أبي بكر الصديق ، وراية الأنصار مع سعد بن عبادة ، فتراموا بالنبل ساعة ، ثم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه ، فحملوا حملة رجل واحد ، فكانت النصرة ، وانهزم المشركون ، وقتل من قتل منهم ، وسبى رسول الله صلى الله عليه وسلم النساء والذراري والنعم والشاء ، ولم يقتل من المسلمين إلا رجل واحد ، هكذا قال عبد المؤمن بن خلف في " سيرته " وغيره ، وهو وهم ، فإنه لم يكن بينهم قتال ، وإنما أغار عليهم على الماء ، فسبى ذراريهم وأموالهم كما في [ ص: 231 ] " الصحيح : ( أغار رسول الله صلى الله عليه وسلم على بني المصطلق وهم غارون ) ، وذكر الحديث . . . " .

وكان من جملة السبي جويرية بنت الحارث سيد القوم ، وقعت في سهم ثابت بن قيس ، فكاتبها ، فأدى عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم وتزوجها ، فأعتق المسلمون بسبب هذا التزويج مائة أهل بيت من بني المصطلق قد أسلموا ، وقالوا : أصهار رسول الله صلى الله عليه وسلم .

قال ابن سعد : وفي هذه الغزوة سقط عقد لعائشة فاحتبسوا على طلبه ، فنزلت آية التيمم .

وذكر الطبراني في " معجمه " من حديث محمد بن إسحاق عن يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير عن أبيه عن عائشة قالت : ( ولما كان من أمر عقدي ما كان ، قال أهل الإفك ما قالوا ، فخرجت مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزاة أخرى ، فسقط أيضا عقدي حتى حبس التماسه الناس ، ولقيت من أبي بكر ما شاء الله ، وقال لي : يا بنية في كل سفر تكونين عناء وبلاء ، وليس مع الناس ماء ، فأنزل الله الرخصة في التيمم ) ، وهذا يدل على أن قصة العقد التي نزل التيمم لأجلها بعد [ ص: 232 ] هذه الغزوة ، وهو الظاهر ، ولكن فيها كانت قصة الإفك بسبب فقد العقد والتماسه ، فالتبس على بعضهم إحدى القصتين بالأخرى ، ونحن نشير إلى قصة الإفك .

التالي السابق


الخدمات العلمية