الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                              السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

                                                                                                                              صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              948 (باب إتيان الصلاة بالسكينة وترك السعي ) .

                                                                                                                              وعبارة النووي: (باب استحباب إتيان الصلاة بوقار وسكينة، والنهي عن إتيانها سعيا ) .

                                                                                                                              (حديث الباب ) وهو بصحيح مسلم النووي ص 100 ج 5 المطبعة المصرية .

                                                                                                                              [يحيى بن أبي كثير. أخبرني عبد الله بن أبي قتادة؛ قال: بينما نحن نصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. فسمع جلبة. فقال "ما شأنكم؟" قالوا: استعجلنا إلى الصلاة. قال: "فلا تفعلوا. إذا أتيتم الصلاة فعليكم السكينة. فما أدركتم فصلوا. وما سبقكم فأتموا" .] .

                                                                                                                              [ ص: 233 ]

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              [ ص: 233 ] (الشرح) .

                                                                                                                              (عن أبي قتادة ) رضي الله عنه: (قال: بينما نحن نصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسمع جلبة ) .

                                                                                                                              أي: أصواتا لحركتهم، وكلامهم، واستعجالهم ) . (فقال: "ما شأنكم؟" قالوا: استعجلنا إلى الصلاة. قال: "فلا تفعلوا. إذا أتيتم الصلاة فعليكم السكينة" ).

                                                                                                                              وهي: "التأني في الحركات، واجتناب العبث، ونحو ذلك.

                                                                                                                              "فما أدركتم فصلوا، وما سبقكم فأتموا".

                                                                                                                              وفي حديث أبي هريرة عند مسلم يرفعه: "إذا أقيمت الصلاة فلا تأتوها تسعون. وأتوها تمشون وعليكم السكينة؛ فما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا".

                                                                                                                              وفي لفظ عنه: "إذا ثوب بالصلاة لا يسع إليها أحدكم، ولكن: ليمش، وعليه السكينة؛ والوقار؛ صل ما أدركت؛ واقض ما سبقك".

                                                                                                                              "والسكينة"، "والوقار" قيل: هما بمعنى. وجمع بينهما تأكيدا.

                                                                                                                              والظاهر أن بينهما "فرقا". وأن السكينة في "الحركة". والوقار في الهيئة، [ ص: 234 ] وغض البصر، وخفض الصوت، والإقبال على طريقه بغير التفات، ونحو ذلك.

                                                                                                                              وفي هذه الأحاديث الندب الأكيد إلى إتيان الصلاة بسكينة ووقار.

                                                                                                                              والنهي عن إتيانها سعيا، سواء فيه؛ صلاة الجمعة، وغيرها، وسواء خاف فوت تكبيرة الإحرام أم لا.


                                                                                                                              والمراد بقول الله عز وجل: فاسعوا إلى ذكر الله . الذهاب يقال: سعيت في كذا، أو إلى كذا. إذا ذهبت إليه، وعملت فيه. ومنه قوله تعالى:

                                                                                                                              وأن ليس للإنسان إلا ما سعى .

                                                                                                                              وفي المسألة خلاف بين أهل العلم من السلف، والخلف.

                                                                                                                              قال الجمهور: ما أدركه المسبوق مع الإمام، فهو أول صلاته. وما يأتي به بعد سلامه؛ فهو آخرها.

                                                                                                                              وعكسه أبو حنيفة وطائفة؛ لقوله: "واقض ما سبقك".

                                                                                                                              وحجة الجمهور: أن أكثر الروايات: "وما فاتكم فأتموا". والمراد: "بالقضاء": الفعل. لا القضاء المصطلح عليه عند الفقهاء.

                                                                                                                              وقد كثر استعمال "القضاء" بمعنى الفعل. ومنه قوله تعالى:

                                                                                                                              [ ص: 235 ] فقضاهن سبع سماوات .

                                                                                                                              وقوله: فإذا قضيتم مناسككم .

                                                                                                                              وقوله: فإذا قضيت الصلاة .

                                                                                                                              ويقال: قضيت حق فلان. ومعنى الجميع (الفعل ) .

                                                                                                                              قال الشوكاني في (السيل الجرار ) : هذا هو القول الراجح، والمذهب الصحيح.

                                                                                                                              وقد صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد "عبد الرحمن بن عوف" ودخل معه في الركعة الثانية، فلما سلم عبد الرحمن قام النبي صلى الله عليه وسلم فصلى ركعة، ثم سلم. وهو في الصحيحين وغيرهما.

                                                                                                                              وفيهما: "فما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا".

                                                                                                                              والأمر بالإتمام يدل على أن ما أدركه مع الإمام أول صلاته.

                                                                                                                              وأما ما ورد في رواية لمسلم بلفظ: "وما فاتكم فاقضوا". فقد حكم مسلم على الزهري بأنه "وهم بهذا اللفظ". فلا تمسك لمن تمسك بهذا اللفظ الذي وقع فيه "الوهم".

                                                                                                                              وأيضا: لو قدرنا عدم "الوهم"، لكان تأويل هذا اللفظ الذي خالف الروايات الكثيرة الصحيحة، بحمل "القضاء" على الإتمام، فإنه أحد معانيه.

                                                                                                                              وقد ورد به الكتاب العزيز:

                                                                                                                              [ ص: 236 ] فإذا قضيتم مناسككم . أي: "أتممتموها".

                                                                                                                              وقال: فإذا قضيت الصلاة .

                                                                                                                              وبهذا تعرف أنه: ليس في المقام ما يصلح لمعارضة الأمر بالإتمام. انتهي.




                                                                                                                              الخدمات العلمية