الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية

ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

صفحة جزء
الوجه الخامس عشر: قوله: واعلم أن الحنابلة القائلين بالتركيب والتأليف أسعد حالا من هؤلاء الكرامية؛ وذلك لأنهم اعترفوا بكونه مركبا من الأجزاء والأبعاض، وأما هؤلاء الكرامية فإنهم زعموا أنه يشار إليه بحسب الحس، وزعموا أنه غير متناه، ثم زعموا أنه مع ذلك واحد لا يقبل القسمة، فلا جرم صار قولهم على خلاف بديهة العقل.

[ ص: 544 ] يقال: قولك عن الحنابلة إنهم يقولون بالتأليف والتركيب ويعبرون بكونه مركبا من الأجزاء والأبعاض، أتعني به أنهم يطلقون هذا اللفظ أم تعني به أنهم يثبتون الصفات المستلزمة لهذا المعنى، فإن عنيت الأول فلم نعلم أحدا من الحنابلة يطلق هذا اللفظ كله، وإن كنت أنت اطلعت على أحد منهم يقول هذا اللفظ فهذا ممكن، لكن يكون هؤلاء طائفة قليلة منهم، والذي بلغنا من ذلك أن لفظ البعض جاء في كلام طائفة من السلف من الصحابة والتابعين وهو مذكور في كتب السنة، جاء عن عبيد بن [ ص: 545 ] عمير من رواية ابن أبي نجيح، عن مجاهد، عنه، ورواه عنه حماد بن سلمة، وصرح به ورواه سفيان الثوري وأظنه اختصر بعضه، ورواه سفيان بن عيينة فكنى عنه، وكذلك [ ص: 546 ] في خبر مسألة رؤية محمد ربه شيء يشبه ذلك من كلام [ ص: 547 ] عكرمة عن ابن عباس، ثم ذلك ليس مختصا بالحنابلة ولا هو فيهم أكثر منه في [ ص: 548 ] غيرهم، بل يوجد في الشافعية والمالكية والحنفية والصوفية وأهل الحديث وأهل الكلام من الإمامية وغيرهم من يطلق من هذه الألفاظ أمورا لا يصل إليها أحد من الحنابلة، فما من نوع غلو يوجد في بعض الحنابلة إلا ويوجد في غيرهم من الطوائف ما هو أكثر منه، وهذا موجود في كتب المقالات وكتب السنة وكتب الكلام وفي طوائف بني آدم المعروفين، وقد تكلمنا على هذا في غير هذا الموضع.

وبينا سبب ذلك أن الإمام أحمد له من الكلام في أصول الدين وتقرير ما جاءت به السنة والشريعة في ذلك ما هو عليه جماعة المؤمنين وإظهار دلالة الكتاب والسنة والإجماع على ذلك والرد على أهل الأهواء والبدع المخالفين للكتاب والسنة في ذلك أعظم مما لغيره؛ لأنه ابتلى بذلك أكثر مما ابتلى به غيره، ولأنه اتصل إليه من سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه وتابعيهم والأئمة بعدهم أعظم مما [ ص: 549 ] اتصل إلى غيره، فصار له من الصبر واليقين الذي جعلهما الله تعالى سببا للإمامة في الدين بقوله : وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون [السجدة 24] ما جعله الله له من الإمامة في أصول الدين السنية الشرعية ما أنعم الله به عليه وفضله به.

فأتباعه لا يمكنهم مع إظهار موافقتهم له من الانحراف ما يمكن غيرهم ممن لم يجد لمتبوعه من النصوص في هذا الباب ما يصده عن مخالفته.

ولهذا يوجد في غيرهم من الانحراف في طرفي النفي والإثبات في مسائل الصفات والقدر والوعيد والإمامة وغير ذلك أكثر مما يوجد فيهم، وهذا معلوم بالاستقراء.

التالي السابق


الخدمات العلمية