الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                              صفحة جزء
                                                                                              5347 (17) ومن سورة الفرقان

                                                                                              [ 2895 ] عن ابن عباس قال : نزلت هذه الآية بمكة : والذين لا يدعون مع الله إلها آخر إلى قوله : مهانا [ الفرقان : 68 - 69 ] فقال المشركون : وما يغني عنا الإسلام وقد عدلنا بالله وقتلنا النفس التي حرم الله وأتينا الفواحش ؟ فأنزل الله تعالى : إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا إلى آخر الآية [ الفرقان : 70 ] .

                                                                                              قال : فأما من دخل في الإسلام وعقله ثم قتل فلا توبة له .

                                                                                              رواه مسلم (3023) (19) .

                                                                                              [ ص: 382 ]

                                                                                              التالي السابق


                                                                                              [ ص: 382 ] (17) ومن سورة الفرقان

                                                                                              (قوله تعالى : والذين لا يدعون مع الله إلها آخر . . .) الآيتين [ الفرقان : 68 - 69 ] - هذه الآية معطوفة على ما قبلها من الأوصاف التي وصف بها عباد الرحمن ، وهو من باب عطف الصفات بعضها على بعض ، وكذلك ما بعد هذه الآية من الآيات معطوف بعضها على بعض ، والكل معطوف على قوله : الذين يمشون على الأرض هونا إلى أن قال : أولئك يجزون الغرفة بما صبروا إلى قوله : ومقاما [ الفرقان : 75 - 76 ] وهذه الجملة هي خبر المبتدأ الذي هو : وعباد الرحمن [ الفرقان : 63 ] وما بين المبتدأ والخبر أوصاف لهم وما تعلق بها ، وقد تضمنت هذه الآية مدح من لم تقع منه هذه الفواحش الثلاث التي هي : الشرك بالله ، والقتل - العدوان ، والزنى . وذم من وقعت منه ، ومضاعفة العذاب عليه ، وهي محمولة على ظاهرها عند الجمهور ، وعليه فيكون معنى قوله : إلا بالحق أي : بأمر موجب للقتل شرعا . وذلك الأمر هو المذكور في قوله صلى الله عليه وسلم : " لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث : زنى بعد إحصان ، أو كفر بعد إيمان ، أو قتل نفس بغير نفس " . وقد صرف هذه الآية عن ظاهرها بعض [ ص: 383 ] أهل المعاني فقال : لا يليق بمن أضافهم الرحمن إليه إضافة الاختصاص ووصفهم بما ذكرهم من صفات المعرفة والتشريف، وقوع هذه الأمور القبيحة منهم حتى يمدحوا بنفيها ; لأنهم أعلى وأشرف . فقال : معناها لا يدعون الهوى إلها ، ولا يذلون أنفسهم بالمعاصي فيكون قتلا لها . ومعنى إلا بالحق أي : إلا بسكين الصبر وسيف المجاهدة ، ولا ينظرون إلى نساء ليست لهم بمحرم بشهوة فيكون سفاحا ، بل بالضرورة فيكون كالنكاح مباحا .

                                                                                              قلت : وهذا كلام رائق ، غير أنه عند السبر مائق ، وهي نبعة باطنية ونزعة باطلية ، وإنما يصح تشريف عباد الرحمن باختصاص الإضافة بعد أن تحلوا بتلك الصفات الحميدة وتخلوا عن نقائض ذلك من الأوصاف الذميمة ، فبدأ في صدر هذه الآيات بصفات التحلي تشريفا لها ، ثم أعقبها بصفات التخلي تقعيدا لها ، والله تعالى أعلم .

                                                                                              وقد تقدم القول على إلا من تاب وعلى قول ابن عباس في سورة النساء .

                                                                                              وفي هذه الآية دليل على أن الكفار مخاطبون بالفروع ، وقد استوفينا ذلك في الأصول ، وفي الآية مباحث تطول .




                                                                                              الخدمات العلمية