الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 182 ] 502 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في المعنى الذي يحل به لمن اشترى طعاما جزافا أن يبيعه

3149 - حدثنا أحمد بن شعيب ، قال : أخبرنا نصر بن علي ( ح ) وحدثنا إسحاق بن إبراهيم ، قال : حدثنا نصر بن علي ، قال : حدثنا يزيد بن زريع ، عن معمر ، عن الزهري ، عن سالم ، عن أبيه ، قال : رأيت الناس يضربون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اشتروا طعاما جزافا أن يبيعوه حتى يؤووه إلى رحالهم .

قال : فكان في هذا الحديث نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم مبتاعي الطعام جزافا أن يبيعوه حتى يؤووه إلى رحالهم ، وكان ما حولوه إليه من الأماكن رحالا للذين حولوه إليها .

[ ص: 183 ]

3150 - وحدثنا إسحاق بن إبراهيم ، قال : حدثنا محمد بن هاشم البعلبكي ، قال : حدثنا شريح بن عبد العزيز ، عن الأوزاعي ، عن الزهري ، عن سالم ، عن أبيه ، قال : كان أصحاب الطعام يضربون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اشتروا الطعام مجازفة ، فباعوه [ قبل ] أن يؤووه إلى رحالهم .

3151 - حدثنا أحمد بن شعيب ، قال : حدثنا محمد بن هاشم ، قال : حدثنا الوليد ، قال : حدثنا الأوزاعي ، ثم ذكر بإسناده مثله .

فاختلف إسحاق وأحمد في الذي حدث به محمد بن هاشم هذا الحديث عنه ، عن الأوزاعي من هو كما ذكرنا ، وكان معنى هذا الحديث كمعنى الحديث الذي قبله .

3152 - حدثنا محمد بن سنان ، قال : حدثنا عبد الوهاب بن نجدة [ ص: 184 ] الحوطي ، قال : حدثنا الوليد بن مسلم ، عن الأوزاعي ، ثم ذكر بإسناده مثله .

3153 - وحدثنا إبراهيم بن مرزوق ، قال : حدثنا عمرو بن أبي رزين ، قال : حدثنا الأوزاعي ، عن الزهري ، قال : حدثني حمزة بن عبد الله بن عمر ، عن عبد الله بن عمر ، ثم ذكر مثله .

قال : فكان في إسناد هذا الحديث خلاف ما في أسانيد ما رويناه قبله مما يرجع إلى الأوزاعي ؛ لأن في هذا عن الزهري ، عن حمزة ، وفي ما قبله عن الزهري ، عن سالم وهو الصحيح ، لا اختلاف بين أهل العلم بالأسانيد فيه .

وكذلك رواه غير الأوزاعي ، عن الزهري منهم معمر على ما ذكرناه في الحديث الذي في أول هذا الباب .

3154 - وعلى ما قد حدثنا عبيد بن رجال ، قال : حدثنا أحمد بن [ ص: 185 ] صالح ، قال : حدثنا عبد الرزاق ، قال : حدثنا معمر ، عن الزهري ، عن سالم ، عن أبيه ، قال : رأيت الناس يضربون في زمن النبي صلى الله عليه وسلم إذا ابتاعوا الطعام جزافا أن يبيعوه حتى يحوزوه .

3155 - وعلى ما قد حدثنا عبيد ، قال : حدثنا أحمد ، قال : حدثنا عنبسة بن خالد ، قال : حدثني يونس ، عن الزهري ، قال : أخبرني سالم ، عن أبيه ، ثم ذكر مثله .

ومنهم صالح بن كيسان .

3156 - كما حدثنا أحمد بن شعيب ، قال : أخبرنا أبو داود الحراني ، قال : حدثنا يعقوب بن إبراهيم الزهري ، قال : حدثنا أبي ، عن صالح - يعني ابن كيسان - ، عن ابن شهاب ، أن سالما أخبره ، أن ابن عمر ، قال : رأيت الناس ، ثم ذكر مثله ، غير أنه قال : حتى يؤووه إلى رحالهم .

[ ص: 186 ] وقد روي هذا الحديث أيضا عن نافع ، عن ابن عمر .

3157 - كما حدثنا أبو أمية ، قال : حدثنا المعلى بن منصور الرازي ، قال : حدثنا حماد بن زيد ، عن أيوب ، عن نافع ، عن ابن عمر ، قال : كنا نتلقى الركبان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فنشتري منهم الطعام ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا تبيعوه حتى تستوفوه وتنقلوه .

فكان هذا الحديث عندنا غير مخالف لما رويناه قبله ؛ لأن كل موضع نقل إليه فهو رحل لناقله إليه .

3158 - وكما حدثنا فهد ، قال : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، قال : حدثنا علي بن مسهر ، عن عبيد الله بن عمر ، عن نافع ، عن ابن عمر رضي الله عنه ، قال : كنا نتلقى الركبان ، فنشتري منهم الطعام جزافا ، فنهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نبيعه حتى نحوله من مكانه أو ننقله .

[ ص: 187 ] فمعنى هذا الحديث يرجع إلى معنى حديث أبي أمية .

3159 - وكما حدثنا الربيع الجيزي ، قال : حدثنا حسان بن غالب ، قال : حدثنا يعقوب بن عبد الرحمن ، عن موسى بن عقبة ، عن نافع ، عن ابن عمر أنهم كانوا يشترون الطعام من الركبان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فيبعث عليهم من يمنعهم أن يبيعوه حيث اشتروه ، حتى يبلغوه حيث يبيعون الطعام .

فقد يحتمل أن تكون المواضع التي كانوا يحولونه إليها مواطن لبيع الطعام .

3160 - وكما حدثنا أحمد بن شعيب ، قال : أخبرنا يحيى بن محمد بن السكن البصري ، قال : حدثنا محمد بن جهضم ، قال : حدثنا إسماعيل بن جعفر ، عن عمر بن نافع ، عن أبيه ، عن ابن عمر رضي الله عنهما ، قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبعث [ ص: 188 ] رجالا يمنعون أصحاب الطعام أن يبيعوه حيث يشترونه ، حتى ينقلوه إلى مكان آخر .

3161 - وكما حدثنا علي بن شيبة ، قال : حدثنا يزيد بن هارون ، قال : أخبرنا محمد بن إسحاق ، عن نافع ، عن ابن عمر ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى أن تباع السلع حيث تشترى ، حتى يحوزها الذي اشتراها إلى رحله ، وإن كان ليبعث رجالا ، فيضربوننا على ذلك .

قال : فكان هذا الحديث موافقا لما رواه موسى بن عقبة عليه ، وكان الذي خالفوه في ذلك أيوب ، وعبيد الله ، وعمر بن نافع ، ومالك بن أنس ، وإن كنا لم نذكره ، فإنا سنذكره في آخر هذا الكلام ، فكان هذا عندنا [ أولى ] ؛ لأن أربعة أولى بالحفظ من اثنين .

فأما حديث مالك . :

[ ص: 189 ]

3162 - فإن يزيد حدثنا قال : حدثنا بشر بن عمر ، قال : حدثنا مالك ، عن نافع ، عن ابن عمر رضي الله عنهما ، قال : كنا في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم نبتاع الطعام ، فيبعث علينا من يأمرنا بانتقاله من المكان الذي ابتعناه فيه إلى مكان سواه قبل أن نبيعه .

3163 - كما حدثنا يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، عن مالك ... ثم نظرنا : هل روي عن ابن عمر خلاف هذا مما يدخل في هذا الباب ؟

3164 - فوجدنا يونس قد حدثنا ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : أخبرني عبيد الله بن عمر ، وعمر بن محمد ، ومالك : أن نافعا حدثهم عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : من اشترى طعاما فلا يبيعه حتى يستوفيه .

قال : فكان معنى " حتى يستوفيه " حتى يستوفي كيله إن كان [ ص: 190 ] مكيلا أو وزنه إن كان موزونا ، أو عدده إن كان معدودا ، وكان في ذلك محولا له من موضع إلى موضع ، فكان مثل ذلك ما اشتراه جزافا أريد فيه تحويله من موضع إلى موضع حتى يحل بيعه بعد ذلك .

3165 - فوجدنا أبا أمية قد حدثنا ، قال : حدثنا الحسين بن محمد المروزي ، قال : حدثنا جرير بن حازم ، عن أبي الزناد ، عن عبيد بن حنين ، عن عبد الله بن عمر ، قال : ابتعت زيتا بالسوق فقام إلي رجل فأربحني حتى رضيت ، فلما أخذت بيده لأضرب عليها أخذ بذراعي رجل من خلفي وأمسك يدي ، فالتفت فإذا زيد بن ثابت ، فقال : لا تبعه حتى تحوزه إلى بيتك ، فإن نبي الله صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك .

3166 - ووجدنا ابن أبي داود قد حدثنا قال : حدثنا أحمد بن خالد الوهبي ، قال : حدثنا ابن إسحاق ، عن أبي الزناد ، عن عبيد بن حنين ، عن ابن عمر رضي الله عنهما ، قال : ابتعت زيتا بالسوق ، فلما استوجبته لقيني رجل فأعطاني به ربحا حسنا ، فأردت أن أضرب على يده ، فأخذ رجل من خلفي بذراعي ، فالتفت إليه فإذا زيد بن ثابت ، فقال : لا تبعه حيث ابتعته حتى تحوزه إلى رحلك ، فإن رسول [ ص: 191 ] الله صلى الله عليه وسلم نهى أن تباع السلع حيث تبتاع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم .

فكان جرير وابن إسحاق قد اختلفا في لفظ هذا الحديث ، فقال أحدهما : إلى رحلك ، وقال الآخر : إلى بيتك ، فعاد ذلك إلى معنى ما رويناه قبله ، وثبت بتصحيح هذه الآثار أن لا يباع ما ابتيع مجازفة حتى يحول من المكان الذي ابتيع فيه إلى مكان سواه .

وهكذا كان الشافعي يذهب إليه في هذا المعنى ، وفيما ذكرنا من ذلك ما قد دل على أن ما لا يحتمل النقل من مكان إلى مكان كالآدر والأرضين يجوز بيعها بعد ابتياعها بغير قبض لها ؛ لأنها لا يتهيأ فيها المعنى الذي تهيأ في غيرها من النقل الذي يقوم مقام الكيل فيما يكال .

وهكذا كان أبو حنيفة يذهب إليه في بيع الآدر والأرضين المبتاعة قبل قبضها ممن باعها ، والله نسأله التوفيق .

فقال قائل : فقد رويتم عن عبد الله بن عمر ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهيه عن بيع الطعام حتى يستوفى ، ورويتم عنه عن رسول الله [ ص: 192 ] صلى الله عليه وسلم أيضا نهيه في ابتياع الجزاف من الطعام أن يباع حتى ينقل إلى مكان آخر ، فكان في ذلك حكم بيع الطعام المشترى كيلا ، وحكم بيع الطعام المشترى جزافا .

ثم رويتم عنه فيه أيضا في حديث عبيد بن حنين عنه ابتياعه زيتا بالسوق ، وأنه أراد بيعه لما أعطي به من الربح ما أعطيه ، فأخذ زيد بن ثابت بيده من خلفه ، فنهاه عن ذلك ، وأخبره عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بما أخبره به فيه عنه ، فما كانت حاجته في ذلك إلى زيد حتى أخذ ذلك عنه وحدث به بعد ذلك .

فكان جوابنا له في ذلك بتوفيق الله عز وجل وعونه : أنه قد يحتمل أن يكون ابن عمر لم يكن يرى الزيت من الطعام ، إذ كان حكمه الائتدام به لا الأكل له ، وكان مذهبه حل بيع ما اشتري قبل قبضه من غير الطعام ، فلم ير ببيعه لذلك قبل قبضه إياه بأسا ، حتى حدثه زيد بما حدثه به ، فعلم به أنه كالطعام المأكول المشترى ، لا كالأشياء المبيعة سوى ذلك ، فانتهى إلى ما حدثه به زيد فيه ، وامتنع من بيعه حتى يكون منه فيه ما حدثه زيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر به فيه ، والله عز وجل نسأله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية