الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            ( والله أنبتكم من الأرض نباتا ثم يعيدكم فيها ويخرجكم إخراجا ) .

                                                                                                                                                                                                                                            الدليل الثالث : على التوحيد قوله تعالى : ( والله أنبتكم من الأرض نباتا ثم يعيدكم فيها ويخرجكم إخراجا ) .

                                                                                                                                                                                                                                            واعلم أنه تعالى رجع ههنا إلى دلائل الأنفس وهو كالتفسير لقوله : ( خلقكم أطوارا ) فإنه بين أنه تعالى [ ص: 125 ] خلقهم من الأرض ثم يردهم إليها ثم يخرجهم منها مرة أخرى ، أما قوله : ( أنبتكم من الأرض نباتا ) ففيه مسألتان :

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الأولى : في هذه الآية وجهان :

                                                                                                                                                                                                                                            أحدهما : معنى قوله : ( أنبتكم من الأرض ) أي أنبت أباكم من الأرض كما قال : ( إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ) [آل عمران : 59] .

                                                                                                                                                                                                                                            والثاني : أنه تعالى أنبت الكل من الأرض ؛ لأنه تعالى إنما يخلقنا من النطف وهي متولدة من الأغذية المتولدة من النبات المتولد من الأرض .

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الثانية : كان ينبغي أن يقال : أنبتكم إنباتا إلا أنه لم يقل ذلك بل قال : أنبتكم نباتا ، والتقدير أنبتكم فنبتم نباتا ، وفيه دقيقة لطيفة وهي أنه لو قال : أنبتكم إنباتا كان المعنى أنبتكم إنباتا غريبا ، ولما قال : أنبتكم نباتا كان المعنى أنبتكم فنبتم نباتا عجيبا ، وهذا الثاني أولى ؛ لأن الإنبات صفة لله تعالى , وصفة الله غير محسوسة لنا ، فلا نعرف أن ذلك الإنبات إنبات عجيب كامل إلا بواسطة إخبار الله تعالى ، وهذا المقام مقام الاستدلال على كمال قدرة الله تعالى فلا يمكن إثباته بالسمع ، أما لما قال : "أنبتكم نباتا" على معنى أنبتكم فنبتم نباتا عجيبا كاملا, كان ذلك وصفا للنبات بكونه عجيبا كاملا ، وكون النبات كذلك أمر مشاهد محسوس ، فيمكن الاستدلال به على كمال قدرة الله تعالى ، فكان هذا موافقا لهذا المقام .

                                                                                                                                                                                                                                            فظهر أن العدول من تلك الحقيقة إلى هذا المجاز كان لهذا السر اللطيف ، أما قوله : ( ثم يعيدكم فيها ) فهو إشارة إلى الطريقة المعهودة في القرآن من أنه تعالى لما كان قادرا على الابتداء كان قادرا على الإعادة ، وقوله : ( ويخرجكم إخراجا ) أكده بالمصدر كأنه قال : يخرجكم حقا لا محالة .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية