الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : يا أيها الذين آمنوا إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا ويكفر عنكم سيئاتكم ويغفر لكم والله ذو الفضل العظيم .

                                                                                                                                                                                                                                      قال ابن عباس ، والسدي ، ومجاهد ، وعكرمة ، والضحاك ، وقتادة ، ومقاتل بن حيان ، وغير واحد : فرقانا : مخرجا ، زاد مجاهد : في الدنيا والآخرة ، وفي رواية عن ابن عباس : فرقانا : نجاة ، وفي رواية عنه : نصرا . وقال محمد بن إسحاق : فرقانا أي : فصلا بين الحق والباطل ، قاله ابن كثير .

                                                                                                                                                                                                                                      قال مقيده عفا الله عنه : قول الجماعة المذكورة : إن المراد بالفرقان : المخرج يشهد له قوله تعالى : ومن يتق الله يجعل له مخرجا الآية [ 65 \ 2 ] ، والقول بأنه النجاة أو النصر ، راجع في المعنى إلى هذا ; لأن من جعل الله له مخرجا أنجاه ونصره ، لكن الذي يدل القرآن واللغة على صحته في تفسير الآية المذكورة هو قول ابن إسحاق ; لأن الفرقان مصدر زيدت فيه الألف والنون ، وأريد به الوصف أي الفارق بين الحق والباطل ، وذلك هو معناه في قوله : تبارك الذي نزل الفرقان [ 25 \ 1 ] ، أي الكتاب الفارق بين الحق والباطل ، وقوله : وأنزل الفرقان [ 3 \ 4 ] ، وقوله : وإذ آتينا موسى الكتاب والفرقان [ 2 \ 53 ] ، وقوله : ولقد آتينا موسى وهارون الفرقان [ 21 \ 48 ] ، ويدل على أن المراد بالفرقان هنا : العلم الفارق بين الحق والباطل ، قوله تعالى في الحديد : ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله وآمنوا برسوله يؤتكم كفلين من رحمته ويجعل لكم نورا تمشون به ويغفر لكم الآية [ 57 \ 28 ] .

                                                                                                                                                                                                                                      لأن قوله هنا : ويجعل لكم نورا تمشون به ، يعني : علما وهدى تفرقون به بين الحق والباطل ، ويدل على أن المراد بالنور هنا الهدى ، ومعرفة الحق قوله تعالى فيمن كان [ ص: 53 ] كافرا فهداه الله : لمشركون أومن كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس الآية [ 6 \ 122 ] ، فجعل النور المذكور في الحديد : هو معنى الفرقان المذكور في الأنفال كما ترى ، وتكفير السيئات ، والغفران المرتب على تقوى الله في آية الأنفال ، كذلك جاء مرتبا أيضا عليها في آية الحديد ، وهو بيان واضح كما ترى .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية