الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          طغي

                                                          طغي : الأزهري : الليث : الطغيان والطغوان لغة فيه ، والطغوى بالفتح مثله ، والفعل طغوت وطغيت ، والاسم الطغوى . ابن سيده : طغى يطغى طغيا ، ويطغو طغيانا ، جاوز القدر وارتفع وغلا في الكفر . وفي حديث وهب : إن للعلم طغيانا كطغيان المال ، أي يحمل صاحبه على الترخص بما اشتبه منه إلى ما لا يحل له ، ويترفع به على من دونه ، ولا يعطي حقه بالعمل به كما يفعل رب المال . وكل مجاوز حده في العصيان طاغ . ابن سيده : طغوت أطغو ، وأطغى طغوا ، كطغيت وطغوى ، فعلى منهما . وقال الفراء منهما في قوله تعالى : كذبت ثمود بطغواها قال : أراد بطغيانها ، وهما مصدران ; إلا أن الطغوى أشكل برءوس الآيات فاختير لذلك ، ألا تراه قال : وآخر دعواهم أن الحمد لله معناه : وآخر دعائهم . وقال الزجاج : أصل طغواها طغياها ، وفعلى إذا كانت من ذوات الياء أبدلت في الاسم واوا ; ليفصل بين الاسم والصفة ، تقول هي التقوى ، وإنما هي من تقيت ، وهي البقوى من بقيت . وقالوا : امرأة خزيا لأنه صفة . وفي التنزيل العزيز : ونذرهم في طغيانهم يعمهون . وطغي يطغى - مثله . وأطغاه المال أي جعله طاغيا . وقوله عز وجل : فأما ثمود فأهلكوا بالطاغية قال الزجاج : الطاغية طغيانهم ، اسم كالعاقبة والعافية . وقال قتادة : بعث الله عليهم صيحة ، وقيل : أهلكوا بالطاغية ; أي بصيحة العذاب ، وقيل : أهلكوا بالطاغية أي بطغيانهم . وقال أبو بكر : الطغيا البغي والكفر ; وأنشد :

                                                          وإن ركبوا طغياهم وضلالهم فليس عذاب الله عنهم بلابث

                                                          وقال تعالى : ويمدهم في طغيانهم يعمهون . وطغى الماء والبحر : ارتفع وعلا على كل شيء فاخترقه . وفي التنزيل العزيز : إنا لما طغى الماء حملناكم في الجارية . وطغى البحر : هاجت أمواجه . وطغى الدم : تبيغ . وطغى السيل إذا جاء بماء كثير . وكل شيء جاوز القدر فقد طغى كما طغى الماء على قوم نوح ، وكما طغت الصيحة على ثمود . وتقول : سمعت طغي فلان ; أي صوته هذلية ، وفي النوادر : سمعت طغي القوم وطهيهم ووغيهم ; أي صوتهم . وطغت البقرة تطغى : صاحت . ابن الأعرابي : يقال للبقرة : الخائرة والطغيا ، وقال المفضل : طغيا ، وفتح الأصمعي طاء طغيا . وقال ابن الأنباري : قال أبو العباس : طغيا مقصور غير مصروفة ، وهي بقرة الوحش الصغيرة . ويحكى عن الأصمعي أنه قال : طغيا فضم . وطغيا : اسم لبقرة الوحش ، وقيل : للصغير من بقر الوحش ، من ذلك جاء شاذا ، قال أمية بن أبي عائذ الهذلي :

                                                          وإلا النعام وحفانه وطغيا مع اللهق الناشط

                                                          قال الأصمعي : طغيا بالضم ، وقال ثعلب : طغيا بالفتح ، وهو الصغير من بقر الوحش ، قال ابن بري : قول الأصمعي هو الصحيح ، وقول ثعلب غلط ، لأن فعلى إذا كانت اسما ; يجب قلب يائها واوا ، نحو شروى ، وتقوى ، وهما من شريت وتقيت ، فكذلك يجب في طغيا أن يكون طغوى ، قال : ولا يلزم ذلك في قول الأصمعي ، لأن فعلى إذا كانت من الواو ; وجب قلب الواو ياء ، نحو الدنيا ، والعليا ، وهما من دنوت ، وعلوت . والطاغية : الصاعقة . والطغية : المستصعب العالي من الجبل ، وقيل : أعلى الجبل ، قال ساعدة بن جؤية :


                                                          صب اللهيف لها السبوب بطغية تنبي العقاب كما يلط المجنب



                                                          قوله : تنبي أي تدفع ، لأنه لا يثبت عليها مخالبها لملاستها ، وكل مكان مرتفع طغوة . وقيل : الطغية الصفاة الملساء ، وقال أبو زيد : الطغية من كل شيء نبذة منه ، وأنشد بيت ساعدة أيضا يصف مشتار العسل ، قال ابن بري : واللهيف المكروب ، والسبوب جمع سب ، الحبل ، والطغية الناحية من الجبل ، ويلط يكب ، والمجنب الترس ، أي هذه الطغية كأنها ترس مكبوب . وقال ابن الأعرابي : قيل لابنة الخس : ما مائة من الخيل ؟ قالت : طغي عند من كانت ولا توجد ، فإما أن تكون أرادت الطغيان ، أي أنها تطغي صاحبها ، وإما أن تكون عنت الكثرة ، ولم يفسره ابن الأعرابي . والطاغوت يقع على الواحد ، والجمع ، والمذكر ، والمؤنث : وزنه فعلوت ، إنما هو طغيوت ، قدمت الياء قبل الغين ، وهي مفتوحة وقبلها فتحة فقلبت ألفا . وطاغوت ، وإن جاء على وزن لاهوت فهو مقلوب ، لأنه من طغى ، ولاهوت غير [ ص: 124 ] مقلوب ; لأنه من لاه ; بمنزلة الرغبوت والرهبوت ، وأصل وزن طاغوت طغيوت ، على فعلوت ; ثم قدمت الياء قبل الغين ; محافظة على بقائها ، فصار طيغوت ، ووزنه فلعوت ، ثم قلبت الياء ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها ، فصار طاغوت . وقوله تعالى : يؤمنون بالجبت والطاغوت ، قال الليث : الطاغوت تاؤها زائدة ، وهي مشتقة من طغى ، وقال أبو إسحاق : كل معبود من دون الله عز وجل جبت وطاغوت ، وقيل : الجبت والطاغوت الكهنة والشياطين ، وقيل في بعض التفسير : الجبت والطاغوت : حيي بن أخطب ، وكعب بن الأشرف اليهوديان . قال الأزهري : وهذا غير خارج عما قال أهل اللغة ; لأنهم إذا اتبعوا أمرهما فقد أطاعوهما من دون الله . وقال الشعبي وعطاء ومجاهد : الجبت السحر ، والطاغوت الشيطان والكاهن وكل رأس في الضلال ، قد يكون واحدا : قال تعالى : يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به وقد يكون جمعا ، قال تعالى : والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم ، فجمع ، قال الليث : إنما أخبر عن الطاغوت بجمع ; لأنه جنس ، على حد قوله تعالى : أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء وقال الكسائي : الطاغوت واحد وجماع ، وقال ابن السكيت : هو مثل الفلك يذكر ويؤنث ، قال تعالى : والذين اجتنبوا الطاغوت أن يعبدوها وقال الأخفش : الطاغوت يكون للأصنام ، والطاغوت يكون من الجن والإنس ، وقال شمر : الطاغوت يكون من الجن والإنس ، وقال شمر : الطاغوت يكون من الأصنام ، ويكون من الشياطين ، ابن الأعرابي : الجبت رئيس اليهود ، والطاغوت رئيس النصارى ، وقال ابن عباس : الطاغوت كعب بن الأشرف ، والجبت حيي بن أخطب ، وجمع الطاغوت طواغيت . وفي الحديث : لا تحلفوا بآبائكم ولا بالطواغي ، وفي الآخر : ولا بالطواغيت ; فالطواغي جمع طاغية ، وهي ما كانوا يعبدونه من الأصنام وغيرها ، ومنه : هذه طاغية دوس وخثعم ، أي صنمهم ومعبودهم ، قال : ويجوز أن يكون أراد بالطواغي من طغى في الكفر ، وجاوز الحد ، وهم عظماؤهم وكبراؤهم ، قال : وأما الطواغيت فجمع طاغوت ، وهو الشيطان أو ما يزين لهم أن يعبدوا من الأصنام . ويقال للصنم : طاغوت . والطاغية : ملك الروم . الليث : الطاغية الجبار العنيد . ابن شميل : الطاغية الأحمق المستكبر الظالم . وقال شمر : الطاغية الذي لا يبالي ما أتى ، يأكل الناس ويقهرهم ، لا يثنيه تحرج ولا فرق .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية