الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
[ ص: 298 ] 41 - باب فرش حروف سورة الرعد


1 - وزرع نخيل غير صنوان اولا لدى خفضها رفع علا حقه طلا



قرأ ابن كثير وأبو عمرو وحفص: وزرع ونخيل صنوان وغير برفع خفض الكلمات الأربع، وقرأ غيرهم بخفضها، وقيد (صنوان) بالموضع الأول ليخرج (صنوان) الثاني الواقع بعد كلمة (غير) فإنه متفق على خفضه بالإضافة. و(طلا) جمع طلية وهي صفحة العنق.


2 - وذكر تسقى عاصم وابن عامر     وقل بعده باليا نفضل شلشلا



قرأ عاصم وابن عامر (تسقى بماء واحد) بياء التذكير، وقرأ غيرهما بتاء التأنيث، وقرأ حمزة والكسائي: (ويفضل بعضها) بالياء، وقرأ غيرهما بالنون. وقوله (بعده) معناه: أن لفظ (ونفضل) واقع في التلاوة بعد لفظ (يسقى).


3 - وما كرر استفهامه نحو آئذا     أئنا فذو استفهام الكل أولا
4 - سوى نافع في النمل والشام مخبر     سوى النازعات مع إذا وقعت ولا
5 - ودون عناد عم في العنكبوت مخـ     برا وهو في الثاني أتى راشدا ولا
6 - سوى العنكبوت وهو في النمل كن رضا     وزاداه نونا إننا عنهما اعتلا
7 - وعم رضا في النازعات وهم على     أصولهم وامدد لوا حافظ بلا



تكرر لفظ الاستفهام في القرآن الكريم في أحد عشر موضعا في تسع سور:

الموضع الأول: في هذه السورة وهو: أإذا كنا ترابا أإنا لفي خلق جديد

الثاني والثالث: في سورة الإسراء: أإذا كنا عظاما ورفاتا أإنا في الموضعين.

الرابع: في المؤمنون: أإذا متنا وكنا ترابا وعظاما أإنا .

الخامس: في النمل أإذا كنا ترابا وآباؤنا أإنا .

السادس: في العنكبوت: إنكم لتأتون الفاحشة ، أإنكم لتأتون الرجال .

السابع: في السجدة: أإذا ضللنا في الأرض ، " أإنا لفي خلق جديد "

الثامن والتاسع: في [ ص: 299 ] الصافات: أإذا متنا وكنا ترابا وعظاما أإنا ، في الموضعين.

العاشر: في الواقعة: أإذا متنا وكنا ترابا وعظاما أإنا

الحادي عشر: في النازعات: أإنا لمردودون في الحافرة ، أإذا كنا عظاما نخرة .

وقد قرأ القراء السبعة بهمزتين على الاستفهام في اللفظ الأول من الاستفهامين في كل موضع من المواضع المذكورة إلا نافعا في اللفظ الأول في النمل فإنه قرأه بهمزة واحدة مكسورة على الخبر، وإلا ابن عامر الشامي فإنه قرأ الأول من الاستفهامين بهمزة واحدة مكسورة على الخبر في كل المواضع إلا في أول النازعات، وأول الواقعة فإنه قرأهما بالاستفهام، وإلا المشار إليهم (بدون عناد عم) وهم: ابن كثير وحفص ونافع والشامي في أول العنكبوت فإنهم أخبروا فيه، وإلى هنا تم كلامه في الأول من الاستفهامين.

ثم انتقل إلى الكلام في الثاني فأخبر أن نافعا والكسائي قرآ بالإخبار في الثاني في الجميع إلا ثاني العنكبوت فقرآه بالاستفهام، ثم أخبر أن ابن عامر والكسائي قرآ ثاني النمل بالإخبار مع زيادة نون فيه فقرآ (إننا). ثم ذكر أن نافعا والشامي والكسائي قرءوا ثاني النازعات بالإخبار، فغيرهم بالاستفهام، هذا ما يستفاد من النظم، وأورد على الناظم في قوله: (والشام مخبر سوى النازعات مع إذا وقعت ولا) أن فيه قصورا، لأنه لم يذكر فيما استثناه للشامي موضع النمل، وكان عليه أن يذكره لأن الشامي يقرؤه بالاستفهام كما يقرأ في النازعات والواقعة، فكان يجب عليه أن يقول: (سوى النازعات النمل مع وقعت ولا). وأجيب عن الناظم بأنه لما ذكر أن القراء يستفهمون في اللفظ الأول من الاستفهامين إلا نافعا في النمل فإنه يقرأ اللفظ الأول فيه بالإخبار، فهم منه أن غير نافع من القراء ومنهم الشامي يقرءون بالاستفهام في أول النمل، فاستغنى الناظم بهذا عن ضم النمل إلى الواقعة والنازعات.

وتلخيص ما تقدم: أن نافعا والكسائي يقرءان بالاستفهام في اللفظ الأول والإخبار في الثاني، غير أن نافعا خالف أصله في النمل والعنكبوت فأخبر فيهما في الأول، واستفهم في الثاني، وخالف الكسائي أصله أيضا في العنكبوت فاستفهم فيها في الأول والثاني، وفي النمل فاستفهم فيه في الأول، وأخبر في الثاني، وزاد فيه نونا، وأن ابن عامر يقرأ بالإخبار في الأول والاستفهام في الثاني غير أنه خالف أصله في [ ص: 300 ] ثلاثة مواضع:

الأول: النمل، فاستفهم فيها في الأول، وأخبر في الثاني، وزاد فيه نونا. الثاني: النازعات، فاستفهم فيها في الأول، وأخبر في الثاني. والثالث: الواقعة فاستفهم فيها في الأول والثاني معا، وأن ابن كثير وحفصا يقرءان بالاستفهام في الأول والثاني وخالفا أصلهما في العنكبوت فأخبرا فيه في الأول واستفهما في الثاني، وأن أبا عمرو وشعبة وحمزة يقرءون بالاستفهام في الأول والثاني في جميع المواضع.

ويؤخذ مما تقدم أمور: الأول: أن القراء اتفقوا على الاستفهام في اللفظ الأول في الواقعة، وفي اللفظ الثاني في العنكبوت. الثاني: أن الاستفهامين قد يكونان في آية واحدة كما في هذه السورة وسورة المؤمنين، وقد يكونان في آيتين متجاورتين كما في سورتي العنكبوت والنازعات. الثالث: ليس بلازم أن يكون الاستفهام الأول لفظ (أإذا)، والثاني لفظ (أإنا)، يعكسان، فيكون الأول (أإنا)، والثاني (أإذا) كما في النازعات، وقد يكونان لفظين آخرين كما في سورة العنكبوت: (أإنكم)، (أإنكم)، وبناء على هذا، فقول الناظم: (أئذا، أئنا) ما قصد به إلا مجرد التمثيل لوجود استفهامين في مكان واحد، ولم يقصد خصوص هذين اللفظين. الرابع: ضابط هذا الباب أن يجتمع لفظا الاستفهام ويكون كل منهما مشتملا على همزتين، سواء كان اللفظان في آية واحدة أم في آيتين متلاصقتين، كما في سائر المواضع، فلا بد من تحقق الشرطين: اجتماع لفظي الاستفهام واشتمال كل على همزتين، فإذا تحقق الشرط الأول دون الثاني بأن اجتمع لفظا الاستفهام ولم يشتمل كل منهما على همزتين، فلا يكونان من هذا الباب، كقوله تعالى في سورة النمل: ولوطا إذ قال لقومه أتأتون الفاحشة وأنتم تبصرون ، أإنكم لتأتون الرجال ، فلفظ الاستفهام " أتأتون " ، (أإنكم) لكن الأول ليس مشتملا على همزتين، كذلك إذا تحقق الشرط الثاني وهو اجتماع همزتين، ولم يتحقق الأول وهو اجتماع لفظين، فلا يكون من هذا الباب أيضا نحو: أأنذرتهم ، أإن ذكرتم ، أإنك ، أأنزل .

واعلم أن كل من يقرأ بالاستفهام في الموضع الأول أو في الثاني أو في كليهما فهو على أصله في تحقيق الهمزتين من كلمة أو تسهيل الثانية، وفي إدخال الألف بينهما أو تركه، وهذا معنى قوله (وهم على أصولهم). وقوله: (وامدد لوا حافظ بلا) معناه: أن قالون وأبا عمرو [ ص: 301 ] وهشاما يدخلون ألفا بين الهمزتين في هذا الباب، وهذا الحكم معلوم من باب الهمزتين من كلمة، وإنما أعاده هنا لإفادة أن هشاما يدخل في هذا الباب قولا واحدا، كما يدخل في المواضع السبعة بلا خلاف عنه.


8 - وهاد ووال قف وواق بيائه     وباق دنا هل يستوي صحبة تلا



وقف ابن كثير على هذه الألفاظ الأربعة بالياء حيث ذكرت في القرآن الكريم وهي:

ولكل قوم هاد ، وما لهم من دونه من وال ، ومن يضلل الله فما له من هاد ، وما لهم من الله من واق ، ما لك من الله من ولي ولا واق ، وهذا كله بالرعد.

وما عند الله باق في النحل، وما كان لهم من الله من واق ، فما له من هاد كلاهما في غافر، فإذا وصل حذف الياء في كل ما ذكر وحذف الباقون الياء وصلا ووقفا. وقرأ حمزة والكسائي وشعبة: (أم هل تستوي الظلمات والنور)، بياء التذكير، فتكون قراءة غيرهم بتاء التأنيث، والتقييد (بأم) للاحتراز عن قل هل يستوي الأعمى فقد اتفقوا على قراءته بياء التذكير.


9 - وبعد صحاب يوقدون وضمهم     وصدوا ثوى مع صد في الطول وانجلا



قرأ حفص وحمزة والكسائي لفظ: (يوقدون) الذي بعد أم هل تستوي بياء الغيب كما لفظ به، فتكون قراءة غيرهم بتاء الخطاب. وقرأ الكوفيون: وصدوا عن السبيل هنا، وصد عن السبيل في غافر بضم الصاد في الموضعين، فتكون قراءة غيرهم بفتحها فيهما.


10 - يثبت في تخفيفه حق ناصر     وفي الكافر الكفار بالجمع ذللا



قرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم: يمحو الله ما يشاء ويثبت بتخفيف الياء، ويلزمه سكون الثاء، فتكون قراءة غيرهم بتشديد الباء ويلزمه فتح الثاء، وقرأ ابن عامر والكوفيون: (وسيعلم الكفار) بالجمع، وقرأ غيرهم (الكافر) بالإفراد، وقد نطق الناظم بالقراءتين معا.

التالي السابق


الخدمات العلمية