الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ولما نزع سبحانه أموال الفيء وما كانت عليه في الجاهلية، وبين مصرف الفيء من القرى، وتهدد في المخالفة في ذلك لصعوبته على النفوس، فكان ذلك جديرا بالتقبل بعد أن أفهم أن أموال بني النضير لمن سلطه عليهم وهو رسوله صلى الله عليه وسلم، وكان من المعلوم من حاله صلى الله عليه وسلم الإيثار على نفسه والقناعة بما دون الكفاف، بين المصرف فيها بعد كفايته صلى الله عليه وسلم لأن بيان ذلك هو المقصود الأعظم لكونه حاصلا حاضرا، الموطأ له بأموال أهل القرى، فقال مبدلا [من] لله [ ص: 435 ] وللرسول وما عطف عليهما لأن من أعطى المهاجرين لهجرتهم وتجردهم من أموالهم وديارهم فإنما أعطاهم لوجه الله ووجه رسوله صلى الله عليه وسلم، ولا يكون بدلا من " ذي القربى " لئلا يختص بفقيرهم، أو يكون جوابا لمن كأنه قال: قد سمعنا وأطعنا فلمن يكون ما سلط الله ورسوله صلى الله عليه وسلم من أموالهم؟ فقيل له: للفقراء أي الذي كان الإنسان منهم يعصب الحجر على بطنه من الجوع ويتخذ الحفرة في الشتاء لتقيه البرد، ما له دثار غيرها بعد أن كان له من الأموال ما يسعه ويفضل منه ما يصل به غيره، وإنما وصفهم بالفقر لأنهم كانوا عند نزولها كذلك، ثم خصص بالوصف فقال: المهاجرين ولما كانت الهجرة قد تطلق على من هجر أهل الكفر من غير مفارقة الوطن فقال: الذين أخرجوا وبناه للمفعول لأن المنكئ الإخراج، لا كونه من مخرج معين من ديارهم ولما كان الإخراج هنا مضمنا معنى المنع، واختير التعبير به [إشارة] إلى أن المال السترة للإنسان لأنه ظرف له، قال: وأموالهم [ ص: 436 ] ولما كان طلب الدنيا من النقائص، بين أنه إذا كان من الله لم يكن كذلك، وأنه لا يكون قادحا في الإخلاص، وأن أمر بني النضير إنما يسر تحقيقا لرجائهم فقال: يبتغون أي [أخرجوا] حال كونهم يطلبون على وجه الاجتهاد. وبين أنه لا يجب عليه شيء لأحد بقوله تعالى: فضلا من الله أي الملك الأعظم الذي لا كفؤ له لأنه المختص بجميع صفات الكمال من الدنيا والدين والآخرة فيغنيهم بفضله عمن سواه ورضوانا يوفقهم لما يرضيه عنهم ولا يجعل رغبتهم في العوض منه قادحا في الإخلاص فيوصلهم إلى دار كرامته.

                                                                                                                                                                                                                                      ولما وصفهم بتعليق بواطنهم به سبحانه وقطعها بالرضا بالإخراج عمن [وعما] سواه، وصفهم ببذل ظواهرهم له فقال: وينصرون [أي] على سبيل التجديد في كل وقت والاستمرار الله أي الملك الأعظم المجيد ورسوله الذي عظمته من عظمته بأنفسهم وأموالهم ليضمحل حزب الشيطان. ولما بان ما له بهم سبحانه من العناية ترقب السامع من مدحهم ما يليق بهذا الإخبار.

                                                                                                                                                                                                                                      فقال مستأنفا ما هو كالعلة لتخصيصهم: أولئك أي العالو الرتبة في الأخلاق الفاضلة هم [ ص: 437 ] أي خاصة لا غيرهم الصادقون العريقون في هذا الوصف لأن مهاجرتهم لما ذكر وتركهم لما وصف دل على كمال صدقهم فيما ادعوه من الإيمان بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم حيث نابذوا من عاداهما وهو القريب الصافي نسبا ودارا وأولوا أولياءهما من كانوا وإن بعدت دارهم وشط مزارهم، وهذا يدل على أن مبنى الدين على إقامة البينات بالثبات عن الابتلاءات على أن العون قد يأتي على قدر البلاء لأن الله تعالى قد خص المهاجرين مما أذن فيه من أموال بني النضير.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية