الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                      صفحة جزء
                                                      [ ص: 201 ] لا : تأتي مزيدة وغير مزيدة فالمزيدة كقوله تعالى : { ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك } { لئلا يعلم أهل الكتاب } . وشرط إمام الحرمين في البرهان في زيادتها قصد تأكيد معنى النفي الذي انطوى عليه سياق الكلام ، كما في قوله تعالى : { ما منعك ألا تسجد } بدليل حذفها في الآية الأخرى . يعني أنها توكيد للنفي المعنوي الذي تضمنه " منعك " ، ولهذا قال بعضهم : تزاد في الكلام الموجب المعنى إذا توجه عليه فعل منفي في المعنى . قال المازري : ويطالب بإبراز مثل هذا المعنى في قوله " لئلا يعلم " . قال : وله أن يقول : استقر الكلام أيضا بمعنى النفي ; لأنه إذا كان القصد إكرام المؤمن ليعلم الكفار هوانهم ، فهم الآن غير عالمين بهوانهم ، فقد تضمن سياق الخطاب الإشعار بانتفاء العلم عنهم وحرف " لا " للنفي . قلت : أما الأولى في { لئلا يعلم } فزائدة بالاتفاق ، ونص عليها سيبويه في كتابه ويدل لها قراءة ابن عباس وعاصم الجحدري " ليعلم أهل الكتاب " وقرأ سعيد بن جبير " لأن يعلم أهل الكتاب " وهاتان القراءتان تفسير لزيادتها . وأما " لا " الثانية في قوله : { أن لا يقدرون } فكذلك زيدت توكيدا للنفي الموجود بما توجه عليه العلم . وغير المزيدة إما ناهية في عوامل الأفعال الجازمة وإما نافية .

                                                      [ ص: 202 ] قال صاحب البرهان : وإنما تستعمل في المظنون حصوله بخلاف " لن " فإنها تستعمل في المشكوك حصوله ، ومن ثم كان النفي ب لن آكد . قال ابن مالك ، " لا " لتأكيد النفي " كإن " لتأكيد الإثبات ، وجعل ذلك عمدته في إعمال " لا " عمل " إن " وأنهم يحملون النقيض على النقيض ، وقد استنكر ذلك منه ، من جهة أن " إن " داخلة على الإثبات فأكدته ، و " لا " لم تدخل على نفي . وجوابه : أن مراده أنها لنفي مؤكد ، أو بمعنى أنها ترجح ظرف النفي المحتمل في أصل القضية رجحانا " قويا " أكثر من ترجيح " ما " ويدل عليه بناء الاسم معها ليفيد نسبة العموم .

                                                      وهي إما تتناول الأفعال وتكون عاطفة ، وفيها معنى النفي ، نحو قام زيد لا عمرو ، فلا تعمل في لفظها شيئا ، ومنه قوله تعالى { فلا يستطيعون توصية ولا إلى أهلهم يرجعون } { لا تأخذه سنة ولا نوم } فأما قوله { فلا صدق ولا صلى } فقالوا : المعنى لم يصدق ولم يصل ، وإما أن تتناول الأسماء ، فإما أن تلي المعارف أو النكرات ، فالتي تلي النكرات إن أريد بنفيها نفي الجنس بنيت مع اسمها ، وإن أريد نفي الوحدة فهي العاملة عمل ليس ، وبهذا تقول : لا رجل فيها بل رجلان . والتي تلي المعارف لا تعمل فيها شيئا ويلزمها التكرار ، نحو لا زيد فيها ولا عمرو . وقال ابن الخشاب : وهي عكس " بل " ; لأن " بل " أضربت بها عن الأول إلى الثاني فثبت المعنى الذي كان للأول للثاني ، و " لا " بدلت [ ص: 203 ] معها بإثبات المعنى للأول فانتفى بها عن الثاني ، ولهذا لم يعطف بها بعد النفي فتقول : ما جاءني زيد لا عمرو ; لأنك لم تثبت للأول شيئا فتنفيه بها عن الثاني .

                                                      التالي السابق


                                                      الخدمات العلمية