الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ولما أبلغ سبحانه في المواعظ في هذه السورة قولا وفعلا، وكانت الإيقاعات المذكورة فيها مسببة عن الخيانات ممن كان له عهد فنقضه، أو ممن كان أظهر الإيمان فأبان فعله كذبه، قال سبحانه وتعالى استنتاجا عن ذلك وعظا للمؤمنين لأن الوعظ بعد المصائب أوقع في النفس وأعظم في ترقيق القلب وتحذيره مما يوجب العقوبة: يا أيها الذين آمنوا مناديا لهم نداء البعد معبرا بأدنى أسنان الإيمان لأنه عقب ذكر من أقر بلسانه فقط اتقوا الله أي اجعلوا لكم وقاية تقيكم سخط الملك الأعظم الذي لا أمر لأحد معه ولا بد أن يستعرض عبيده، فاحذروا عقوبته بسبب التقصير فيما حده لكم من أمر أو نهي ولتنظر نفس أي كل نفس تنظر إلى نفاستها وتريد العلو على أقرانها، ولعله وحدها للإشارة مع إفادة التعميم إلى قلة الممتثل لهذا الأمر جدا ما قدمت [ ص: 458 ] أي من الزاد الذي يكون به صلاح المنزل الذي من لم يسع في إصلاحه لم يكن له راحة، هل يرضي الملك ما قدمته فينجيها أو يغضبه فيرديها.

                                                                                                                                                                                                                                      ولما كان الأجل مبهم الوقت، فكان لقاء الله في كل يوم بل كل لحظة للعاقل مترقبا لكونه ممكنا [مع كونه] على الإطلاق [محققا] لا يجهله أحد، قال مشيرا بتنكيره وإبهامه إلى تهويله وإعظامه: لغد أي لأجل العرض بعد الموت أو في يوم القيامة الذي هو في غاية القرب لأن هذه الدنيا كلها يوم واحد يجيء فيه ناس ويذهب آخرون، والموت أو الآخرة غده، لا بد [من] كل منهما، وكل ما لا بد منه فهو في غاية القرب لا سيما إن كان باقيا غير منقض، وكل من نظر لغده أحسن مراعاة يومه، وتنوينه للتعظيم من جهات [لا تحصى].

                                                                                                                                                                                                                                      ولما أمر بتقواه سبحانه خوفا من سطواته أمر بتقواه لأجل مراقبته حياء من جلالته وهيبته تأكيدا للأمر لأن مدار النجاة على التقوى لأن مكايد الشيطان دقيقة، فمن لم يبالغ في محاسبة نفسه وتفقد ما يمكن أن يكون من الخلل في أعماله أوشك أن يحبط [الشيطان] أعماله فقال تعالى: واتقوا الله أي الجامع لجميع صفات الكمال أي اتقوه حياء منه، فالتقوى الأولى لإيجاد صور الأعمال، وهذه لتصفيتها وتزكية أرواحها، ولذلك علل بقوله [ ص: 459 ] مرغبا مرهبا: إن الله أي الذي له الأسماء الحسنى والصفات العلى خبير أي عظيم الاطلاع على ظواهركم وبواطنكم والإحاطة بما تعملون فلا تعملون عملا إلا كان بمرأى منه ومسمع فاستحيوا منه، وكرر الاسم الأعظم كراهية أن يظن تقييد التقوى بحيثية من الحيثيات تعظيما لهذا المقام إعلاما بأن شؤونه لا تنحصر وأن إحاطته لا تخص مقاما دون مقام ولا شأنا سوى شأن.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية