الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
فصل في قيام شهر رمضان

( يستحب أن يجتمع الناس في شهر رمضان بعد العشاء فيصلي بهم إمامهم خمس ترويحات ، كل ترويحة [ ص: 467 ] بتسليمتين ، ويجلس بين كل ترويحتين مقدار ترويحة ، ثم يوتر بهم ) ذكر لفظ الاستحباب والأصح أنها سنة ، كذا روى الحسن عن أبي حنيفة رحمه الله لأنه واظب عليها الخلفاء الراشدون والنبي عليه الصلاة والسلام بين العذر في تركه المواظبة وهو خشية أن تكتب علينا

التالي السابق


( فصل في قيام رمضان )

التراويح جمع ترويحة أي ترويحة للنفس : أي استراحة ، سميت نفس الأربع بها لاستلزامها شرعا ترويحة : [ ص: 467 ] أي استراحة فلذا قال : ويجلس بين كل ترويحتين مقدار ترويحة ( قوله والأصح أنها سنة لمواظبة الخلفاء الراشدين ) تغليب إذ لم يرد كلهم بل عمر وعثمان وعليا ، وهذا لأن ظاهر المنقول أن مبدأها من زمن عمر وهو ما روي عن عبد الرحمن بن القارئ ، قال : خرجت مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه ليلة في رمضان إلى المسجد فإذا الناس أوزاع متفرقون يصلي الرجل لنفسه ويصلي الرجل فيصلي بصلاته الرهط ، فقال عمر رضي الله عنه : إني أرى لو جمعت هؤلاء على قارئ واحد لكان أمثل ، ثم عزم فجمعهم إلى أبي بن كعب ، ثم خرجت معه ليلة أخرى والناس يصلون بصلاة قارئهم ، فقال عمر : نعمت البدعة هذه ، والتي ينامون عنها أفضل يريد آخر الليل ، وكان الناس يقومون أوله .

رواه أصحاب السنن ، وصححه الترمذي ، وقال صلى الله عليه وسلم { عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي } وقال في حديث آخر { افترض الله عليكم صيامه وسننت لكم قيامه } وقد بين صلى الله عليه وسلم العذر في تركها وهو خشية الافتراض على ما قدمناه في باب الوتر من حديث ابن حبان فارجع إليه .

وفي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها { أنه صلى الله عليه وسلم صلى في المسجد فصلى بصلاته ناس ، ثم صلى من القابلة فكثر الناس ، ثم اجتمعوا من الثالثة فلم يخرج إليهم ، فلما أصبح قال : قد رأيت الذي صنعتم فلم يمنعني من الخروج إليكم إلا أني خشيت أن تفرض عليكم } وذلك في رمضان . زاد البخاري فيه في كتاب الصوم { فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم والأمر على ذلك } وقدمنا في باب النوافل عن أبي سلمة بن عبد الرحمن { سألت عائشة رضي الله عنها كيف كانت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان ؟ فقالت : ما كان يزيد في رمضان ولا غيره على إحدى عشرة ركعة } الحديث .

وأما ما روى ابن أبي شيبة في مصنفه والطبراني وعند البيهقي من حديث ابن عباس { أنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي في رمضان عشرين ركعة سوى الوتر } فضعيف بأبي شيبة إبراهيم بن عثمان جد الإمام أبي بكر بن أبي شيبة متفق على ضعفه مع مخالفته للصحيح . نعم ثبتت العشرون من زمن عمر في الموطإ .

عن يزيد بن رومان قال " كان الناس يقومون في زمن عمر بن الخطاب بثلاث وعشرين [ ص: 468 ] ركعة " . وروى البيهقي في المعرفة عن السائب بن يزيد قال : كنا نقوم في زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه بعشرين ركعة والوتر ، قال النووي في الخلاصة إسناده صحيح .

وفي الموطإ رواية بإحدى عشرة . وجمع بينهما بأنه وقع أولا ثم استقر الأمر على العشرين فإنه المتوارث ، فتحصل من هذا كله أن قيام رمضان سنة إحدى عشرة ركعة بالوتر في جماعة فعله صلى الله عليه وسلم ثم تركه لعذر ، أفاد أنه لولا خشية ذلك لواظبت بكم ، ولا شك في تحقق الأمن من ذلك بوفاته صلى الله عليه وسلم فيكون سنة ، وكونها عشرين سنة الخلفاء الراشدين وقوله صلى الله عليه وسلم { عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين } ندب إلى سنتهم ، ولا يستلزم كون ذلك سنته . إذ سنته بمواظبته بنفسه أو إلا لعذر ، وبتقدير عدم ذلك العذر إنما استفدنا أنه كان يواظب على ما وقع منه وهو ما ذكرنا فتكون العشرون مستحبا وذلك القدر منها هو السنة كالأربع بعد العشاء مستحبة وركعتان منها هي السنة .

وظاهر كلام المشايخ أن السنة عشرون ، ومقتضى الدليل ما قلنا ، فالأولى حينئذ ما هو عبارة القدوري من قوله يستحب لا ما ذكره المصنف فيه .




الخدمات العلمية