الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          ويشترط لليمين المنعقدة قصد عقدها على مستقبل ، وتقدم المستحيل في طلاق المستقبل فإن حلف بالله على ماض كاذبا عالما كذبه فغموس ، وعنه : يكفر ويأثم ، كما يلزمه عتق وطلاق وظهار وحرام ونذر ، فيكفر كاذب في لعانه ، ذكره في الانتصار واحتج غير واحد على عدم التكفير بقوله { إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا } الآية ، فكيف يقال إن الجزاء غير هذا وإن الكفارات تمحص هذا .

                                                                                                          وقال شيخنا : من قال يكفر الغموس ، قال يكفر الغموس في ذلك أيضا ، وأما من قال : لا كفارة في المستقبل ، أو أنه يلزمه فيه ما التزمه ، فالماضي أولى ، وأما من قال اليمين الغموس بالله لا تكفر ، وأن اليمين بالنذر والكفر وغيرهما يكفر ، فلهم في اليمين الغموس بذلك قولان : أحدهما يلزمه ما التزمه من نذر وكفر ، وغيرهما قاله بعض الحنفية وبعض الحنبلية .

                                                                                                          وقال محمد بن مقاتل : يعني الحنفي في الحلف بالكفر ، وقاله جدنا أبو البركات في الحلف بالنذر ونحوه ، وهؤلاء يحتجون بقوله عليه السلام { من حلف بملة غير الإسلام كاذبا فهو كما قال } ، والثاني وهو قول الأكثرين أنه لا يلزمه ما التزمه في اليمين الغموس إلا إذا كان يلزمه ما التزمه في اليمين [ ص: 344 ] على المستقبل ; لأنه في جميع صور الأيمان لم يقصد أن يصير كافرا ولا ناذرا ولا مطلقا ولا معتقا ، لأنه إنما قصده في الماضي الخبر التصديق أو التكذيب ، وأكده باليمين كما يقصد الحظ أو المنع في الأمر أو النهي ، وأكده باليمين ، فكما قالوا يجب الفرق في المستقبل بين من قصده اليمين وقصده الإيقاع ، وأن الحالف لا يلتزم وقوعه عند المخالفة ، والموقع يلتزم ما يريد وقوعه عند المخالفة ، فهذا الفرق موجود في التعليق على الماضي ، فإنه تارة يقصد اليمين ، وتارة يقصد الإيقاع ، فالحالف يكره لزوم الجزاء ، وإن حنث صدق أو كذب لم يقصد إيقاع ما التزمه إذا كذب ، كما لم يقصد في الحظ والمنع والشارع لم يجعل من التزم شيئا يلزمه ، سواء بر أو فجر ، ولهذا لم يكفر باليمين الغموس إجماعا لأنه لم يقصد نفي حرمة الإيمان بالله ، لكن فعل كبيرة مع اعتقاده أنها كبيرة ، والقول في الخبر كنظائره كفر دون كفر ، وقد يجتمع في الإنسان شعبة من شعب الكفر والنفاق . وإن عقدها على ماض واختار شيخنا : أو مستقبل ظانا صدقه فلم يكن ، كمن حلف على غيره يظن أنه يعطيه فلم يفعل ، أو ظن المحلوف عليه خلاف نية الحالف ونحو ذلك ، وأن المسألة على روايتين كمن ظن امرأة أجنبية فطلقها فبانت امرأته ونحوها مما يتعارض فيه التعيين الظاهر [ ص: 345 ] والقصد ، فلو كانت يمينه بطلاق ثلاث ثم قال أنت طالق مقرا بما وقع أو مؤكدا له لم يقع وإن كان منسيا ، فقد أوقعه بمن يظنها أجنبية ، فالخلاف قاله شيخنا ، ومثله في المستوعب وغيره بحلفه أن المقبل زيد أو ما كان أو كان كذا فكمن فعل مستقبلا ناسيا وقطع جماعة بحنثه في عتق وطلاق ، زاد في التبصرة مثله في المسألة بعدها .

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          الخدمات العلمية