الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        [ ص: 995 ] كتاب الزكاة الثاني

                                                                                                                                                                                        النسخ المقابل عليها

                                                                                                                                                                                        1 - (ب) نسخة برلين رقم (3144)

                                                                                                                                                                                        2 - (ر) نسخة الحمزاوية رقم (115)

                                                                                                                                                                                        3 - (م) نسخة مراكش رقم (112/ 1) [ ص: 996 ]

                                                                                                                                                                                        [ ص: 997 ]

                                                                                                                                                                                        بسم الله الرحمن الرحيم

                                                                                                                                                                                        صلى الله على محمد وآله وسلم تسليما

                                                                                                                                                                                        كتاب الزكاة الثاني

                                                                                                                                                                                        باب في زكاة الإبل

                                                                                                                                                                                        الأصل في ذلك قول النبي - صلى الله عليه وسلم - : "ليس فيما دون خمس ذود من الإبل صدقة" ، وقوله : "في أربع وعشرين من الإبل فما دونها من الغنم من كل خمس شاة ، فإذا بلغت خمسا وعشرين إلى خمس وثلاثين ففيها بنت مخاض أنثى ، فإذا بلغت ستا وثلاثين إلى خمس وأربعين ففيها بنت لبون أنثى ، فإذا بلغت ستا وأربعين إلى ستين ففيها حقة طروقة الجمل ، فإذا بلغت إحدى وستين إلى خمس وسبعين ففيها جذعة ، فإذا بلغت ستا وسبعين إلى تسعين ففيها بنتا لبون ، فإذا بلغت إحدى وتسعين إلى عشرين ومائة ففيها حقتان طروقتا الجمل ، فإذا زادت على عشرين ومائة ففي كل أربعين بنت لبون ، وفي كل خمسين حقة" تفرد به البخاري دون مسلم . [ ص: 998 ]

                                                                                                                                                                                        وقد اشتمل هذا الحديث على اثني عشر نصابا ، وهي : خمسة ، وعشرة ، وخمسة عشر ، وعشرون ، في كل خمس شاة . والإبل صدقة ما بعد هذه الأربع ، وخمسة وعشرون ، وستة وثلاثون ، وستة وأربعون ، وإحدى وستون ، وستة وسبعون ، وإحدى وتسعون ، وما بعد العشرين ومائة ، ففي كل أربعين ، وفي كل خمسين .

                                                                                                                                                                                        واختلف في ثالث عشر ، وهو إحدى وعشرون ومائة ، هل هو نصاب قائم بنفسه ، أم لا حكم للواحدة ؟

                                                                                                                                                                                        واشتمل على صنفين من الصدقة : غنم وإبل ؛ فالغنم صدقة أربعة نصب : خمسة ، وعشرة ، وخمسة عشر ، وعشرون . في كل خمس شاة ، والإبل صدقة ما بعد هذه الأربع ، وهي خمسة : بنت مخاض ، وابن لبون ، وبنت لبون ، وحقة ، وجذعة .

                                                                                                                                                                                        فبنت مخاض ، وابن لبون صدقة نصاب واحد ، وهو خمسة وعشرون .

                                                                                                                                                                                        وبنت لبون صدقة ثلاثة : ستة وثلاثون وستة وسبعون ، ففيها ابنتا لبون ، وما زاد على عشرين ومائة ، ففي كل أربعين بنت لبون . والحقة صدقة ثلاثة: ستة وأربعون ، وإحدى وتسعون ، ففيها حقتان . وما زاد على عشرين ومائة في قوله : في كل خمسين حقة . والجذعة صدقة نصاب واحد ، وهو إحدى وستون . وفي ثلاثين ومائة حقة وبنتا لبون ، وفي أربعين ومائة حقتان وبنت لبون . ثم على هذا [ ص: 999 ] الحساب إلى المائتين ، فيجتمع فيها في المائتين السنان ؛ أربع حقاق ، أو خمس بنات لبون .

                                                                                                                                                                                        واختلف من هذه الجملة في ثلاثة مواضع : في خمسة وعشرين إذا لم يكن فيها بنت مخاض ولا ابن لبون ذكر ، وفي إحدى وعشرين ومائة ، وفي المائتين .

                                                                                                                                                                                        فأما الخمسة وعشرون فإنها لا تخلو من أربعة أحوال : إما أن يكون فيها السنان جميعا ، أو يعدما منها جميعا ، أو يكون فيها أحدهما بنت مخاض ، أو ابن لبون .

                                                                                                                                                                                        فإن كان فيها أحد السنين كان الواجب فيها الموجود لا غيره ، وإن كان فيها السنان جميعا كان الواجب بنت مخاض من غير خيار ، فليس لصاحب الإبل أن يعطي ابن لبون ، ولا للساعي أن يجبره على دفعه . واختلف إذا تراضيا جميعا بأخذه ، فأجازه ابن القاسم في كتاب محمد ، ومنعه أشهب .

                                                                                                                                                                                        والأول أصوب وقد يكون في أخذه نظر للمساكين ؛ إما لأنه أكثر ثمنا ، أو يكون رأيه : أن ينحره لهم يأكلونه ، والثمن سواء ، فهو أفضل ؛ لأنه أكثر لحما لما كان أكبر بسنة .

                                                                                                                                                                                        وإن عدم منها السنان جميعا كان على صاحب الإبل أن يأتي المصدق بابنة [ ص: 1000 ] مخاض ، أحب أم كره ، وهو قول ابن القاسم . وقاله أشهب في كتاب محمد ، وجعل حكم عدم السنين حكم وجودهما ، فلما كان الواجب مع وجودهما بنت مخاض من غير تخيير كان كذلك إذا عدما . واستشهد ابن القاسم لذلك بقول مالك في المائتين أنه جعل الحكم إذا عدم منها الحقاق وبنات اللبون كالحكم إذا وجدا أنه بالخيار ، يقول : فينبغي على قول مالك في الخمسة وعشرين ، أن يكون الحكم إذا عدما بمنزلته لو وجدا ، والحكم إذا وجدا بنت مخاض من غير خيار ، فكذلك إذا عدما . وقد حمل محمد على ابن القاسم أنه يقول : إنه بالخيار ، لاستشهاده بالمائتين . وليس الأمر كذلك . وقد أبان ذلك في المدونة ، وقال : عليه أن يأتي بابنة مخاض أحب أو كره .

                                                                                                                                                                                        ويختلف إذا لم يلزمه المصدق ابنة مخاض حتى إذا أحضر صاحب الإبل ابن لبون ، فقول ابن القاسم يجبر المصدق على قبوله ، ويكون بمنزلته لو كان فيها . وعلى أصل أصبغ لا يجبر . وبيان ذلك يأتي عند ذكر المائتين . [ ص: 1001 ]

                                                                                                                                                                                        واختلف في إحدى وعشرين ومائة على ثلاثة أقوال :

                                                                                                                                                                                        فقال في المدونة : المصدق بالخيار بين أن يأخذ ثلاث بنات لبون ، أو حقتين . وقال ابن القاسم : فيها ثلاث بنات لبون ، ولا خيار للمصدق . وقال مالك في المبسوط وغيره : فيها حقتان ، ولا خيار للمصدق . وبهذا أخذ المغيرة ، ومحمد بن مسلمة ، وأشهب ، وابن الماجشون . وإن الواحدة هنا لا تنقل الحكم ، وهو أبينها ؛ لأن المفهوم من قول النبي - صلى الله عليه وسلم - فما زاد زيادة العشرات لقوله : "ففي كل أربعين وفي كل خمسين" . فالذي ينقل حكم الخمسين ، هو الذي ينقل حكم الأربعين ؛ لمساواته بينهما . ولو أخذ من إحدى وعشرين ومائة ثلاث بنات لبون لأخذت من عشرين ومائة ؛ لأن الواحدة الزائدة على العشرين ومائة وقص غير داخلة في الزكاة . ولا يوجد في شيء من المسائل أن الوقص ينقل فرضا ؛ وإنما ينقل الفرض ما هو فرض مزكى ؛ مثال ذلك أن يقال في أربع وعشرين الغنم ، فإن زادت [ ص: 1002 ] واحدة كان فيها بنت مخاض ، ثم ما زاد إلى خمس وثلاثين وقص معفو عنه لا يغير حكما ، فإن زادت واحدة فكانت ستا وثلاثين كان فيها بنت لبون ، ثم ما زاد إلى خمس وأربعين معفو عنه . فإن أوجبت في إحدى وعشرين ومائة ثلاث بنات لبون بقوله "ففي كل أربعين حقة " ، كانت الواحدة لغوا ؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أخبر أن الزكاة تؤخذ عن الأربعين ، وعن الخمسين ، لا عن غير ذلك . والواحدة الزائدة على العشرين كالواحدة الزائدة على الثلاثين ومائة ، وما ذكر في ذلك عن ابن شهاب ، فقد اختلفت الروايات عنه فيه . وإذا سلم أن الواحدة نقلت الحكم جاز أن يقال له أن يأخذ ثلاث بنات لبون من غير خيار فيكون الوقص واحدة أولى من أن يأخذ حقتين فيكون الوقص إحدى وعشرين .

                                                                                                                                                                                        وقد قال أشهب في مدونته : إن أخذ ثلاث بنات لبون أخذها عن عشرين ومائة ؛ لقوله : "ففي كل أربعين" ، وليس في الواحدة شيء ، وإن أخذ حقتين أخذهما عن مائة ؛ لقوله : "ففي كل خمسين حقة" ، وليس في إحدى وعشرين شيء ، وجعل المصدق بالخيار . فعلى قوله يكون بالخيار في وجود السنين أو عدمهما . فإن وجد واحدة لم يكن له غيرها . وقال محمد : عليه أن يأتيه بما طلب منه المصدق ، وإن لم يكن في الإبل ، ويلزمه أن يقول [ ص: 1003 ] مثل ذلك في المائتين . وقد كان بعض أهل العلم يقول : إنما قال مالك : المصدق بالخيار ؛ لأنه أشكل عليه الأمر في ذلك ، فكان للساعي أن يحكم بأي الوجهين شاء . وهذا غير صحيح .

                                                                                                                                                                                        وليس للمصدق أن يحكم في مسألة اختلاف بما رآه ؛ لأنه ليس بحاكم ، ولا أقيم لذلك ؛ وإنما هو وكيل على قبض ، فإذا خالفه المأخوذ منه كان الأمر فيه إلى من يحكمانه بينهما من فقيه أو غيره . وأيضا فتخيير المالك إذا أشكل الأمر أولى من تخيير الساعي ؛ لأنه الغارم فلا يلزم بشك ؛ ولأنه لا يخلو أن يكون المصدق عاميا أو مجتهدا ؛ فإن كان عاميا لم يخير ، وإن كان من أهل الاجتهاد عمل على ما يتبين له من غير خيار إن وافقه على ذلك المالك ، وإن خالفه ترافعا إلى من يحكم بينهما .

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية