الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          طوع

                                                          طوع : الطوع : نقيض الكره . طاعه يطوعه وطاوعه ، والاسم الطواعة والطواعية . ورجل طيع أي طائع . ورجل طائع وطاع مقلوب ، كلاهما : مطيع كقولهم : عاقني عائق وعاق ، ولا فعل لطاع ; قال :


                                                          حلفت بالبيت ، وما حوله من عائذ بالبيت أو طاع



                                                          وكذلك مطواع ومطواعة ، قال المتنخل الهذلي :

                                                          إذا سدته سدت مطواعة ومهما وكلت إليه كفاه

                                                          اللحياني : أطعته وأطعت له . ويقال أيضا : وطعت له وأنا أطيع طاعة . ولتفعلنه طوعا أو كرها ، وطائعا أو كارها . وجاء فلان طائعا غير مكره ، والجمع طوع . قال الأزهري : من العرب من يقول : طاع له يطوع طوعا ، فهو طائع ، بمعنى أطاع ، وطاع يطاع لغة جيدة . قال ابن سيده : وطاع يطاع أطاع لان وانقاد ، وأطاعه إطاعة وانطاع له كذلك . وفي التهذيب : وقد طاع له يطوع إذا انقاد له ، بغير ألف ، فإذا مضى لأمره فقد أطاعه ، فإذا وافقه فقد طاوعه ; وأنشد ابن بري للرقاص الكلبي :


                                                          سنان معد في الحروب أداتها     وقد طاع منهم سادة ودعائم



                                                          وأنشد للأحوص :

                                                          وقد قادت فؤادي في هواها     وطاع لها الفؤاد وما عصاها

                                                          وفي الحديث : فإن هم طاعوا لك بذلك . ورجل طيع أي طائع . قال : والطاعة اسم من أطاعه طاعة ، والطواعية اسم لما يكون مصدرا لطاوعه ، وطاوعت المرأة زوجها طواعية . قال ابن السكيت : يقال : طاع له وأطاع سواء ، فمن قال : طاع يقال : يطاع ، ومن قال : أطاع قال : يطيع ، فإذا جئت إلى الأمر فليس إلا أطاعه ، يقال : أمره فأطاعه ، بالألف ، طاعة لا غير . وفي الحديث : هوى متبع وشح مطاع ، هو أن يطيعه صاحبه في منع الحقوق التي أوجبها الله عليه في ماله . وفي الحديث : لا طاعة في معصية الله ; يريد طاعة ولاة الأمر إذا أمروا بما فيه معصية كالقتل والقطع أو نحوه ، وقيل : معناه أن الطاعة لا تسلم لصاحبها ولا تخلص إذا كانت مشوبة بالمعصية ، وإنما تصح الطاعة وتخلص مع اجتناب المعاصي ، قال : الأول أشبه بمعنى الحديث ، لأنه قد جاء مقيدا في غيره ، كقوله : لا طاعة لمخلوق في معصية الله ، وفي رواية : وفي معصية الخالق . والمطاوعة : الموافقة ، والنحويون ربما سموا الفعل اللازم مطاوعا . ورجل مطواع ، أي مطيع . وفلان حسن الطواعية لك مثل الثمانية ، أي حسن الطاعة لك . ولسانه لا يطوع بكذا ، أي لا يتابعه . وأطاع النبت وغيره : لم يمتنع على آكله . وأطاع له المرتع إذا اتسع له المرتع وأمكنه الرعي ، قال الأزهري : وقد يقال : في هذا الموضع طاع ، قال أوس بن حجر :


                                                          كأن جيادهن ، برعن زم     جراد قد أطاع له الوارق



                                                          أنشده أبو عبيد ، وقال : الوراق خضرة الأرض من الحشيش والنبات وليس من الورق . وأطاع له المرعى : اتسع وأمكن الرعي منه ، قال الجوهري : وقد يقال : في هذا المعنى طاع له المرتع . وأطاع التمر : حان صرامه وأدرك ثمره وأمكن أن يجتنى . وأطاع النخل والشجر إذا أدرك . وأنا طوع يدك ، أي منقاد لك . وامرأة طوع الضجيج : منقادة له ، قال النابغة :


                                                          فارتاع من صوت كلاب ، فبات له     طوع الشوامت ، من خوف ومن صرد



                                                          يعني بالشوامت الكلاب ، وقيل : أراد بها القوائم ، وفي التهذيب : يقال : فلان طوع المكاره إذا كان معتادا لها ملقى إياها ، وأنشد بيت النابغة ، وقال : طوع الشوامت بنصب العين ورفعها ، فمن رفع أراد بات له ما أطاع شامته من البرد والخوف ; أي بات له ما اشتهى شامته وهو طوعه ; ومن ذلك تقول : اللهم لا تطيعن بنا شامتا ; أي لا تفعل بي ما يشتهيه ويحبه ، ومن نصب أراد بالشوامت قوائمه ، واحدتها شامتة ، يقول : فبات الثور طوع قوائمه أي بات قائما . وفرس طوع العنان : سلسه .

                                                          وناقة طوعة القياد وطوع القياد وطيعة القياد : لينة لا تنازع قائدها . وتطوع للشيء وتطوعه ، كلاهما : حاوله ، والعرب تقول : علي أمرة مطاعة . وطوعت له نفسه قتل أخيه ، قال [ ص: 159 ] الأخفش : مثل طوقت له ومعناه رخصت وسهلت ، حكى الأزهري عن الفراء : معناه فتابعت نفسه ، وقال المبرد : فطوعت له نفسه فعلت من الطوع ، وروي عن مجاهد أنها فطوعت له نفسه شجعته ، قال أبو عبيد : عنى مجاهد أنها أعانته على ذلك وأجابته إليه ، قال : ولا أدري أصله إلا من الطواعية ; قال الأزهري : والأشبه عندي أن يكون معنى طوعت سمحت وسهلت له نفسه قتل أخيه ; أي جعلت نفسه بهواها المردي ، قتل أخيه سهلا وهويته ، قال : وأما على قول الفراء والمبرد : فانتصاب قوله : قتل أخيه على إفضاء الفعل إليه ، كأنه قال : فطوعت له نفسه ; أي انقادت في قتل أخيه ولقتل أخيه ; فحذف الخافض وأفضى الفعل إليه فنصبه . قال الجوهري : والاستطاعة الطاقة ، قال ابن بري : هو كما ذكر ، إلا أن الاستطاعة للإنسان خاصة ، والإطاقة عامة ، تقول : الجمل مطيق لحمله ، ولا تقل مستطيع ، فهذا الفرق ما بينهما ، قال : ويقال الفرس صبور على الحضر . والاستطاعة : القدرة على الشيء ، وقيل : هي استفعال من الطاعة ، قال الأزهري : والعرب تحذف التاء فتقول : استطاع يسطيع ، قال : وأما قوله تعالى : فما اسطاعوا أن يظهروه ; فإن أصله استطاعوا بالتاء ، ولكن التاء والطاء من مخرج واحد ، فحذفت التاء ليخف اللفظ ، ومن العرب من يقول : استاعوا بغير طاء ; قال : ولا يجوز في القراءة ، ومنهم من يقول : أسطاعوا بألف مقطوعة ، والمعنى فما أطاعوا فزادوا السين ، قال : قال ذلك الخليل وسيبويه ; عوضا من ذهاب حركة الواو ، لأن الأصل في أطاع أطوع ، ومن كانت هذه لغته قال في المستقبل : يسطيع ، بضم الياء ، وحكي عن ابن السكيت ; قال : يقال : ما أسطيع وما أسطيع وما أستيع ، وكان حمزة الزيات يقرأ : فما اسطاعوا بإدغام الطاء والجمع بين ساكنين ، وقال أبو إسحاق الزجاج : من قرأ بهذه القراءة فهو لاحن مخطئ ، زعم ذلك الخليل ، ويونس ، وسيبويه ، وجميع من يقول : بقولهم ، وحجتهم في ذلك أن السين ساكنة ، وإذا أدغمت التاء في الطاء صارت طاء ساكنة ، ولا يجمع بين ساكنين ، قال : ومن قال أطرح حركة التاء على السين ، فأقرأ فما أسطاعوا ، فخطأ أيضا لأن سين استفعل لم تحرك قط . قال ابن سيده : واستطاعه واسطاعه وأسطاعه واستاعه وأستاعه أطاقه ، فاستطاع على قياس التصريف ، وأما اسطاع موصولة ; فعلى حذف التاء لمقارنتها الطاء في المخرج ، فاستخف بحذفها كما استخف بحذف أحد اللامين في ظلت ، وأما أسطاع مقطوعة ; فعلى أنهم أنابوا السين مناب حركة العين في أطاع ، التي أصلها أطوع ، وهي مع ذلك زائدة ; فإن قال قائل : إن السين عوض ليست بزائدة ; قيل : إنها وإن كانت عوضا من حركة الواو فهي زائدة ، لأنها لم تكن عوضا من حرف قد ذهب ، كما تكون الهمزة في عطاء ونحوه ، قال ابن جني : وتعقب أبو العباس على سيبويه هذا القول ، فقال : إنما يعوض من الشيء إذا فقد وذهب ، فأما إذا كان موجودا في اللفظ فلا وجه للتعويض منه ، وحركة العين التي كانت في الواو قد نقلت إلى الطاء التي في الفاء ، ولم تعدم وإنما نقلت ، فلا وجه للتعويض من شيء موجود غير مفقود ، قال : وذهب عن أبي العباس ما في قول سيبويه ، هذا من الصحة ، فإما غالط وهي من عادته معه ، وإما زل في رأيه هذا ، والذي يدل على صحة قول سيبويه في هذا ، وأن السين عوض من حركة عين الفعل ، أن الحركة التي هي الفتحة ، وإن كانت كما قال أبو العباس : موجودة ، منقولة إلى الفاء ، إما فقدتها العين ، فسكنت بعدما كانت متحركة ، فوهنت بسكونها ، ولما دخلها من التهيؤ للحذف عند سكون اللام ، وذلك لم يطع وأطع ، ففي كل هذا قد حذف العين لالتقاء الساكنين ، ولو كانت العين متحركة لما حذفت ; لأنه لم يك هناك التقاء ساكنين ، ألا ترى أنك لو قلت أطوع يطوع ولم يطوع وأطوع زيدا لصحت العين ولم تحذف ؟ فلما نقلت عنها الحركة وسكنت سقطت ، لاجتماع الساكنين فكان هذا توهينا وضعفا لحق العين ; فجعلت السين عوضا من سكون العين الموهن لها ، المسبب لقلبها وحذفها ، وحركة الفاء بعد سكونها لا تدفع عن العين ما لحقها من الضعف بالسكون ، والتهيؤ للحذف عند سكون اللام ، ويؤكد ما قال سيبويه : من أن السين عوض من ذهاب حركة العين ; أنهم قد عوضوا من ذهاب حركة هذه العين حرفا آخر غير السين ، وهو الهاء ، في قول من قال : أهرقت ، فسكن الهاء وجمع بينها وبين الهمزة ، فالهاء هنا عوض من ذهاب فتحة العين ، لأن الأصل أروقت ، أو أريقت ، والواو عندي أقيس ، لأمرين : أحدهما أن كون عين الفعل واوا ، أكثر من كونها ياء ، فيما اعتلت عينه ، والآخر أن الماء إذا هريق ظهر جوهره وصفا ، فراق رائيه ، فهذا أيضا يقوي كون العين منه واوا ، على أن الكسائي قد حكى راق الماء يريق ، إذا انصب وهذا قاطع بكون العين ياء ، ثم إنهم جعلوا الهاء عوضا من نقل فتحة العين عنها إلى الفاء ، كما فعلوا ذلك في أسطاع ، فكما لا يكون أصل أهرقت استفعلت ، كذلك ينبغي أن لا يكون أصل أسطعت استفعلت ، وأما من قال : استعت ، فإنه قلب الطاء تاء ، ليشاكل بها السين ، لأنها أختها في الهمس ، وأما ما حكاه سيبويه من قولهم : يستيع ، فإما أن يكونوا أرادوا يستطيع ، فحذفوا الطاء كما حذفوا لام ظلت ، وتركوا الزيادة كما تركوها في يبقى ، وإما أن يكونوا أبدلوا التاء مكان الطاء ، ليكون ما بعد السين مهموسا مثلها ، وحكى سيبويه ما أستتيع بتاءين ، وما أستيع ، وعد ذلك في البدل ، وحكى ابن جني استاع يستيع ، فالتاء بدل من الطاء لا محالة ، قال سيبويه : زادوا السين عوضا من ذهاب حركة العين من أفعل . وتطاوع للأمر وتطوع به وتطوعه : تكلف استطاعته . وفي التنزيل : فمن تطوع خيرا فهو خير له ، قال الأزهري : ومن يطوع خيرا ، والأصل فيه يتطوع ، فأدغمت التاء في الطاء ، وكل حرف أدغمته في حرف نقلته إلى لفظ المدغم فيه ، ومن قرأ : ومن تطوع خيرا ، على لفظ الماضي فمعناه للاستقبال ، قال : وهذا قول حذاق النحويين . ويقال : تطاوع لهذا الأمر حتى تستطيعه . والتطوع : ما تبرع به من ذات نفسه مما لا يلزمه فرضه ، كأنهم جعلوا التفعل هنا اسما كالتنوط . والمطوعة : الذين يتطوعون بالجهاد ، أدغمت التاء في الطاء كما قلناه في قوله : ومن يطوع خيرا ، ومنه قوله تعالى : الذين يلمزون المطوعين من المؤمنين وأصله المتطوعين فأدغم . وحكى أحمد بن يحيى [ ص: 160 ] " المطوعة " ، بتخفيف الطاء وشد الواو ، ورد عليه أبو إسحاق ذلك . وفي حديث أبي مسعود البدري في ذكر المطوعين من المؤمنين : قال ابن الأثير : أصل المطوع المتطوع ، فأدغمت التاء في الطاء ، وهو الذي يفعل الشيء تبرعا من نفسه ، وهو تفعل من الطاعة ، وطوعة : اسم .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية