الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          طوف

                                                          طوف : طاف به الخيال طوفا : ألم به في النوم ، وسنذكره في طيف أيضا ; لأن الأصمعي يقول : طاف الخيال يطيف طيفا ، وغيره يطوف . وطاف بالقوم وعليهم طوفا وطوفانا ومطافا وأطاف : استدار وجاء من نواحيه . وأطاف فلان بالأمر إذا أحاط به ، وفي التنزيل العزيز : يطاف عليهم بآنية من فضة ، وقيل : طاف به حام حوله . وأطاف به وعليه : طرقه ليلا . وفي التنزيل العزيز : فطاف عليها طائف من ربك وهم نائمون ، ويقال أيضا : أطاف وقال الفراء في قوله - عز وجل - : فطاف عليها طائف ، قال : لا يكون الطائف إلا ليلا ، ولا يكون نهارا ، وقد تتكلم به العرب ; فيقولون أطفت به نهارا ، وليس موضعه بالنهار ، ولكنه بمنزلة قولك لو ترك القطا ليلا لنام لأن القطا لا يسري ليلا ، وأنشد أبو الجراح :


                                                          أطفت بها نهارا غير ليل وألهى ربها طلب الرجال



                                                          وطاف بالنساء لا غير . وطاف حول الشيء يطوف طوفا وطوفانا وتطوف واستطاف كله بمعنى . ورجل طاف : كثير الطواف . وتطوف الرجل أي طاف ، وطوف أي أكثر الطواف ، وطاف بالبيت وأطاف عليه : دار حوله ; قال أبو خراش :


                                                          تطيف عليه الطير ، وهو ملحب     خلاف البيوت عند محتمل الصرم



                                                          وقوله عز وجل : وليطوفوا بالبيت العتيق ، هو دليل على أن الطواف بالبيت يوم النحر فرض . واستطافه : طاف به . ويقال : طاف بالبيت طوافا واطوف اطوافا ، والأصل تطوف تطوفا وطاف طوفا وطوفانا . والمطاف : موضع المطاف حول الكعبة . وفي الحديث ذكر الطواف بالبيت ، وهو الدوران حوله ، تقول : طفت أطوف طوفا وطوافا ، والجمع الأطواف . وفي الحديث : كانت المرأة تطوف بالبيت وهي عريانة تقول : من يعيرني تطوافا ؟ تجعله على فرجها . قال : هذا على حذف المضاف أي ذا تطواف ، ورواه بعضهم بكسر التاء ، قال : وهو الثوب الذي يطاف به ، قال : ويجوز أن يكون مصدرا . والطائف : مدينة بالغور ، يقال : إنما سميت طائفا للحائط الذي كانوا بنوا حولها في الجاهلية المحدق بها الذي حصنوها به . والطائف : بلاد ثقيف . والطائفي : زبيب عناقيده متراصفة الحب كأنه منسوب إلى الطائف . وأصابه طوف من الشيطان وطائف وطيف ، وطيف الأخيرة على التخفيف ، أي مس . وفي التنزيل العزيز : إذا مسهم طائف من الشيطان ، وطيف ، وقال الأعشى :


                                                          وتصبح عن غب السرى ، وكأنما     أطاف بها من طائف الجن أولق



                                                          قال الفراء : الطائف والطيف سواء ، وهو ما كان كالخيال ، والشيء يلم بك ، قال أبو العيال الهذلي :


                                                          ومنحتني جداء ، حين منحتني     فإذا بها ، وأبيك ، طيف جنون



                                                          وأطاف به أي ألم به وقاربه ، قال بشر :


                                                          أبو صبية شعث يطيف بشخصه     كوالح ، أمثال اليعاسيب ، ضمر



                                                          وروي عن مجاهد في قوله تعالى : إذا مسهم طائف ، قال : الغضب ، وروي ذلك أيضا عن ابن عباس . قال أبو منصور : الطيف في كلام العرب الجنون ، رواه أبو عبيد عن الأحمر ، قال : وقيل للغضب طيف لأن عقل من استفزه الغضب يعزب حتى يصير في صورة المجنون الذي زال عقله ، قال : وينبغي للعاقل إذا أحس من نفسه إفراطا في الغضب أن يذكر غضب الله على المسرفين ، فلا يقدم على ما يوبقه ، ويسأل الله توفيقه للقصد في جميع الأحوال إنه الموفق له . وقال الليث : كل شيء يغشى البصر من وسواس الشيطان فهو طيف ، وسنذكر عامة ذلك في طيف ؛ لأن الكلمة يائية وواوية . وطاف في البلاد طوفا وتطوافا ، وطوف : سار فيها . والطائف : العاس بالليل . والطائف العسس ، والطوافون : الخدم والمماليك . وقال الفراء في قوله عز وجل : طوافون عليكم بعضكم على بعض ، قال : هذا كقولك في الكلام إنما هم خدمكم وطوافون عليكم ، قال : فلو كان نصبا كان صوابا مخرجه من عليهم . وقال أبو الهيثم : الطائف هو الخادم الذي يخدمك برفق وعناية ، وجمعه الطوافون . وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - في الهرة : إنما هي من الطوافات في البيت ، أي من خدم البيت ، وفي طريق آخر : إنما هي من الطوافين عليكم والطوافات ، والطواف فعال ، شبهها بالخادم الذي يطوف على مولاه ويدور حوله ، أخذا من قوله - عز وجل - : ليس عليكم ولا عليهم جناح بعدهن طوافون عليكم ، ولما كان فيهم ذكور وإناث ، قال : الطوافين والطوافات ، قال : ومنه الحديث : لقد طوفتما بي الليلة ، يقال : طوف تطويفا وتطوافا . والطائفة من الشيء : جزء منه . وفي التنزيل العزيز : وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين ، قال مجاهد : الطائفة الرجل الواحد إلى الألف ، وقيل : [ ص: 161 ] الرجل الواحد فما فوقه ، وروي عنه أيضا أنه قال : أقله رجل ، وقال عطاء : أقله رجلان . يقال : طائفة من الناس وطائفة من الليل . وفي الحديث : لا تزال طائفة من أمتي على الحق ، الطائفة : الجماعة من الناس ، وتقع على الواحد كأنه أراد نفسا طائفة ; وسئل إسحاق بن راهويه عنه فقال : الطائفة دون الألف وسيبلغ هذا الأمر إلى أن يكون عدد المتمسكين بما كان عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه ألفا يسلي بذلك أن لا يعجبهم كثرة أهل الباطل . وفي حديث عمران بن حصين وغلامه الآبق : لأقطعن منه طائفا ; هكذا جاء في رواية ، أي بعض أطرافه ، ويروى بالباء والقاف . والطائفة : القطعة من الشيء ; وقول أبي كبير الهذلي :


                                                          تقع السيوف على طوائف منهم     فيقام منهم ميل من لم يعدل



                                                          قيل : عنى بالطوائف النواحي ، الأيدي والأرجل . والطوائف من القوس : ما دون السية ، يعني بالسية ما اعوج من رأسها وفيها طائفان ، وقال أبو حنيفة : طائف القوس ما جاوز كليتها من فوق وأسفل إلى منحنى تعطيف القوس من طرفها . قال ابن سيده : وقضينا على هاتين الكلمتين بالواو لكونها عينا مع أن ط و ف أكثر من ط ي ف . وطائف القوس : ما بين السية والأبهر ، وجمعه طوائف ; وأنشد ابن بري :


                                                          ومصونة دفعت ، فلما أدبرت     دفعت طوائفها على الأقيال



                                                          وطاف يطوف طوفا . وأطاف اطيافا : تغوط وذهب إلى البزار . والطوف : النجو . وفي الحديث : لا يتناجى اثنان على طوفهما . ومنه : نهي عن متحدثين على طوفهما أي عند الغائط . وفي حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - : لا يصلين أحدكم وهو يدافع الطوف ما كان من ذلك بعد الرضاع الأحمر . يقال : لأول ما يخرج من بطن الصبي : عقي فإذا رضع فما كان بعد ذلك قيل : طاف يطوف طوفا ، وزاد ابن الأعرابي ; فقال : اطاف يطاف اطيافا إذا ألقى ما في جوفه ، وأنشد :


                                                          عشيت جابان حتى استد مغرضه     وكاد ينقد إلا أنه اطافا



                                                          جابان : اسم جمل . وفي حديث لقيط : ما يبسط أحدكم يده إلا وقع عليها قدح مطهرة من الطوف والأذى ، الطوف : الحدث من الطعام ، المعنى من شرب تلك الشربة طهر من الحدث والأذى ، وأنث القدح لأنه ذهب بها إلى الشربة . والطوف : قرب ينفخ فيها ويشد بعضها ببعض فتجعل كهيئة سطح فوق الماء يحمل عليها الميرة والناس ، ويعبر عليها ويركب عليها في الماء ويحمل عليها ، وهو الرمث ، قال : وربما كان من خشب . والطوف : خشب يشد ويركب عليه في البحر ، والجمع أطواف ، وصاحبه طواف . قال أبو منصور : الطوف التي يعبر عليها في الأنهار الكبار تسوى من القصب والعيدان يشد بعضها فوق بعض ثم تقمط بالقمط حتى يؤمن انحلالها ، ثم تركب ويعبر عليها ، وربما حمل عليها الجمل على قدر قوته وثخانته ، وتسمى العامة ، بتخفيف الميم . ويقال : أخذه بطوف رقبته وبطاف رقبته مثل صوف رقبته . والطوف : القلد . وطوف القصب : قدر ما يسقاه . والطوف والطائف : الثور الذي يدور حوله البقر في الدياسة . والطوفان : الماء الذي يغشى كل مكان ، وقيل : المطر الغالب الذي يغرق من كثرته ، وقيل : الطوفان الموت العظيم . وفي الحديث عن عائشة - رضي الله عنها - قالت : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : الطوفان الموت ، وقيل : الطوفان من كل شيء ما كان كثيرا محيطا مطيفا بالجماعة كلها كالغرق الذي يشتمل على المدن الكثيرة . والقتل الذريع والموت الجارف يقال له : طوفان ، وبذلك كله فسر قوله تعالى : فأخذهم الطوفان وهم ظالمون ، وقال :


                                                          غير الجدة من آياتها     خرق الريح ، وطوفان المطر



                                                          وفي حديث عمرو بن العاص : وذكر الطاعون فقال لا أراه إلا رجزا أو طوفانا ، أراد بالطوفان البلاء ، وقيل الموت . قال ابن سيده : وقال الأخفش الطوفان جمع طوفانة ، والأخفش ثقة ; قال : وإذا حكى الثقة شيئا لزم قبوله ، قال أبو العباس : وهو من طاف يطوف ، قال : والطوفان مصدر مثل الرجحان والنقصان ولا حاجة به إلى أن يطلب له واحدا . ويقال لشدة سواد الليل : طوفان . والطوفان : ظلام الليل ; قال العجاج :


                                                          حتى إذا ما يومها تصبصبا     وعم طوفان الظلام الأثأبا



                                                          عم : ألبس ، والأثأب : شجر شبه الطرفاء إلا أنه أكبر منه . وطوف الناس والجراد إذا ملئوا الأرض كالطوفان ; قال الفرزدق :


                                                          على من وراء الردم لو دك عنهم     لماجوا كما ماج الجراد وطوفوا



                                                          التهذيب في قوله تعالى : فأرسلنا عليهم الطوفان والجراد ، قال الفراء : أرسل الله عليهم السماء سبتا فلم تقلع ليلا ولا نهارا ، فضاقت بهم الأرض فسألوا موسى أن يرفع عنهم فرفع فلم يتوبوا .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية