الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  معلومات الكتاب

                  أحكام القرآن الكريم للطحاوي

                  الطحاوي - أبو جعفر الطحاوي

                  صفحة جزء
                  كتاب الصلاة

                  [ ص: 138 ] [ ص: 139 ] تأويل قوله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة )

                  قال الله - عز وجل - : ( يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة ) فكان النداء المذكور في هذه الآية من المحكم الموقوف على المراد به وإنه الأذان ، ولم يبين لنا - عز وجل - كيفية الأذان في هذه الآية ولا في غيرها من كتابه ، وبينه لنا على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم :

                  192 - حدثنا بكار بن قتيبة ، قال : حدثنا محمد بن خالد الواسطي ، عن أبيه ، عن عبد الرحمن بن إسحاق ، عن الزهري ، عن سالم ، عن أبيه ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - استشار المسلمين بما يجمعهم على الصلاة ، قالوا : لنا البوق ، وكرهه من أجل اليهود ، ثم ذكروا الناقوس فكرهه من أجل النصارى ، فأري تلك الليلة النداء رجل من الأنصار ، يقال له : عبد الله بن زيد ، وعمر بن الخطاب - رضي الله عنه - ما ، فطرق الأنصاري رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليلا " فأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بلالا فأذن " .

                  قال الزهري : وزاد بلال في نداء صلاة الصبح " الصلاة خير من النوم " ، فأقرها رسول الله صلى الله عليه وسلم .

                  فقال عمر - رضي الله عنه - : أما أني قد رأيت مثل الذي رأى ، ولكنه سبقني .

                  193 - حدثنا إبراهيم بن أبي داود قال : حدثنا إبراهيم بن عبد الله الهروي ، قال : حدثنا محمد بن دينار الطاعي ، قال : حدثنا خالد الحذاء ، عن أبي قلابة ، عن أنس بن مالك ، قال : كانوا قد أرادوا أن يضربوا بالناقوس ، وأن يرفعوا نارا للإعلام بالصلاة حتى أري ذلك الرجل تلك الرؤيا " فأمر بلال أن يشفع الأذان ويوتر الإقامة " .

                  194 - حدثنا إبراهيم بن مرزوق ، قال : حدثنا عبد الله بن داود الحريني ، عن الأعمش ، عن عمرو بن مرة ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، أن عبد الله بن زيد رأى رجلا نزل من السماء عليه ثوبان أخضران أو بردان أخضران " فقام على جذم حائط ، فأذن : الله أكبر ، الله أكبر ، الله أكبر ، الله أكبر ، أشهد أن لا إله إلا الله ، أشهد أن لا إله إلا الله ، أشهد أن محمدا رسول [ ص: 140 ] الله ، أشهد أن محمدا رسول الله ، حي على الصلاة ، حي على الصلاة ، حي على الفلاح ، حي على الفلاح ، الله أكبر ، الله أكبر ، لا إله إلا الله ، ثم قعد ثم أقام مثل ذلك ، فأتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فأخبره ، فقال : نعم ما رأيت علمها بلالا " .

                  195 - حدثنا علي بن شيبة ، قال : حدثنا يحيى بن يحيى النيسابوري ، قال : حدثنا وكيع ، عن الأعمش ، عن عمرو بن مرة ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، قال : حدثني أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ، أن عبد الله بن زيد الأنصاري رأى في المنام الأذان فأتى النبي صلى الله عليه وسلم ، فأخبره ، فقال : " علمه بلالا " فأذن مثنى وأقام مثنى ، وقعد قعدة " .

                  196 - حدثنا فهد بن سليمان ، قال : حدثنا علي بن معبد ، قال : حدثنا عبد الله بن عمرو ، عن زيد بن أبي أنيسة ، عن عمرو بن مرة ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، قال : حدثنا أصحابنا ، فذكر مثله ، وزاد في الإقامة " قد قامت الصلاة " .

                  قال ، وقال عبد الله : لولا أني أتهم نفسي لظننت أني رأيت ذلك وأنا يقظان غير نائم ، ثم قال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - : وأنا والله لقد طاف بي الذي طاف بعبد الله ، فلما رأيته سبقني سكت .

                  197 - حدثنا أبو بكرة ، قال : حدثنا أبو داود ، قال : حدثنا المسعودي ، عن عمرو بن مرة ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، عن معاذ بن جبل ، قال : كانوا يجتمعون للصلاة ، يؤذن بها بعضهم بعضا ، حتى نقسوا أو كادوا أن ينقسوا ، فإذا رجل من الأنصار ، يقال له : عبد الله بن زيد أتى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : " يا رسول الله ، إني أخبرك أني لم أكن نائما أصدقت أني لبين النائم واليقظان ، إذ رأيت شخصا عليه ثوبان أخضران ، أو بردان أخضران ، فقام فاستقبل القبلة ، فقال : الله أكبر ، الله أكبر ، أشهد أن لا إله إلا الله ، أشهد أن لا إله إلا الله ، قال ذلك مرتين أشهد أن محمدا رسول الله ، أشهد أن محمدا رسول الله ، وجعل آخر ذلك لا إله إلا الله ، ثم أمهل هنيهة ، ثم قام ، فقال مثل ذلك ، إلا أنه يزيد : قد قامت الصلاة ، قد قامت الصلاة " فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " علمها بلالا " .

                  فقال عمر : يا رسول الله ، أما إنه قد طاف بي الليلة مثل الذي طاف بعبد الله ، ولكنه سبقني " .


                  198 - حدثنا علي بن معبد ، وعلي بن شبة ، قالا : حدثنا روح بن عبادة ، وحدثنا أبو [ ص: 141 ] بكرة ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا ابن جريج ، قال : أخبرني عثمان بن السائب ، قال أبو عاصم في حديثه ، قال : أخبرني أبي وأم عبد الملك بن أبي محذورة ، عن أبي محذورة ، وقال روح في حديثه ، عن أم عبد الملك بن أبي محذورة ، عن أبي محذورة ، قال : " علمني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الأذان كما يؤذنون الآن : الله أكبر ، الله أكبر ، أشهد أن لا إله إلا الله ، أشهد أن لا إله إلا الله ، أشهد أن محمدا رسول الله ، أشهد أن محمدا رسول الله ، حي على الصلاة ، حي على الصلاة ، حي على الفلاح ، حي على الفلاح ، الله أكبر ، الله أكبر ، لا إله إلا الله ، وعلمني الإقامة مثنى مثنى ، فذكر مثل الأذان سوى غير أنه لم يرجع فيه ، وقال في آخره : قد قامت الصلاة ، قد قامت الصلاة " .

                  199 - حدثنا أبو بكرة ، وعلي بن عبد الرحمن ، قالا : حدثنا عفان بن مسلم الصفار ، قال : حدثنا همام بن يحيى ، قال : حدثني عامر الأحول ، قال : حدثني مكحول ، أن عبد الله بن محيريز ، حدثه : " أن أبا محذورة علمه النبي - صلى الله عليه وسلم - الأذان تسع عشرة كلمة : الله أكبر ، الله أكبر ، الله أكبر ، الله أكبر ، ثم ذكر بقية الأذان على ما في الحديث الأول .

                  حديث أبي محذورة وأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - علمه الإقامة تسع عشرة كلمة الله أكبر ، الله أكبر ، ثم ذكر مثل حديث روح سواء .

                  فثبتت بهذه الآثار كيفية الأذان للجمعة ولسائر الصلوات سواء .

                  غير أن ما في حديث أبي محذورة من حديث ابن جريج : الله أكبر الله أكبر ، وفي حديثه من حديث ابن محيريز : الله أكبر ، الله أكبر ، الله أكبر ، الله أكبر .

                  وكان حديث ابن محيريز أولاهما عندنا ، لأنا وجدنا ما في الأذان مما يكرر ، والثاني منه على النصف من الأول .

                  ألا ترى أنه يقول في أول الأذان : أشهد أن لا إله إلا الله ، أشهد أن لا إله إلا الله ، وأنه إذا كرر في آخر الأذان يقول : لا إله إلا الله ، مرة واحدة ، فلما كان ذلك ، كذلك وكان يقول في آخر الأذان إذا كرر التكبير : الله أكبر ، الله أكبر ، كان الذي يقوله من ذلك في أوله مثل ذلك ، وهو : الله أكبر ، الله أكبر ، الله أكبر ، الله أكبر .

                  وأما الترجيع الذي في الخبرين جميعا عن أبي محذورة فليس عندنا من سنة الأذان ، وإنما كان لعلة أخرى قد بينت في الحديث .

                  200 - حدثنا علي بن معبد ، وعلي بن شبة ، قالا : حدثنا روح ، قال : أخبرنا ابن جريج ، قال : حدثني عبد العزيز بن عبد الملك بن أبي محذورة ، أن عبد الله بن محيريز أخبره ، أن أبا محذورة [ ص: 142 ] قال له : خرجت في نفر ، وكنا في بعض طريق حنين ، فقفل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، من حنين ولقينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ببعض الطريق ، فأذن مؤذن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالصلاة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فسمعنا صوت المؤذن ونحن متنكبون ، فسخرنا نحكيه ونستهزئ به ، فسمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الصوت ، فأرسل إلينا إلى أن وقفنا بين يديه ، فقال : " أيكم الذي سمعت صوته قد ارتفع ؟ " فأشار القوم كلهم إلي وصدقوا ، فأرسل كلهم وحبسني ، فقال : قم فأذن بالصلاة ، فألقى علي التأذين هو بنفسه ، فقال : " قل : الله أكبر ، الله أكبر ، أشهد أن لا إله إلا الله ، أشهد أن لا إله إلا الله ، أشهد أن محمدا رسول الله ، أشهد أن محمدا رسول الله ، ثم قال لي : ارجع فامدد صوتك ، ثم قل : أشهد أن لا إله إلا الله ، أشهد أن لا إله إلا الله ، أشهد أن محمدا رسول الله ، أشهد أن محمدا رسول الله " . ثم ذكر الأذان على ما في حديث الأول .

                  ففي هذا الحديث أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمره أن يرجع فيمد من صوته إذ كان لم يمد من صوته في الابتداء كذلك ، ولو كان من سنة الأذان الخفض في الأولى والرفع في الثانية ، إذن لعلمه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الأولى قبل الثانية .

                  فلما ترك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذلك ، ولم يعلمه إياه وكان ذلك الخفض من أبي محذورة ، لا بأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إياه به ، فأمره بالرجوع ، وأن يمد من صوته ، دل ذلك على أن الخفض الذي كان منه في الأول ليس من سنة الأذان ، وإنه إنما أمره بالترجيع ليسمع وليستعمل رفع الصوت في كل أذانه .

                  وكان لهذا النداء الذي ذكره الله - عز وجل - في كتابه وبينه على لسان رسوله - صلى الله عليه وسلم - وقت معلوم غير مذكور في الآية يجب إتيان الصلاة عنده ، فنظرنا فيه فوجدنا .

                  201 - يونس قد حدثنا ، قال : حدثنا يحيى بن حسان ، قال : حدثنا فليح بن سليمان الخزاعي ، قال : حدثنا عثمان بن عبد الرحمن التيمي ، قال : سمعت أنس بن مالك ، يقول : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " يصلي الجمعة إذا زالت الشمس " . [ ص: 143 ] .

                  202 - حدثنا ابن أبي داود ، قال : حدثنا يوسف بن عدي ، قال : حدثنا مروان بن معاوية ، عن عبد الحميد بن جعفر ، عن عبد الرحمن بن جابر بن عبد الله ، عن أبيه ، " أنهم كانوا يجمعون مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ويرجعون ، فيقيلون في بني سلمة ، قال : وبين مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبين بني سلمة نحو من ميل " .

                  203 - حدثنا يحيى بن آدم ، قال : حدثنا الحسن بن عباس ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن جابر ، قال : " كنا نصلي مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم الجمعة ، ثم نرجع فنرفع نواضحنا قلت : أية ساعة ذلك ؟ قال : عند زوال الشمس " .

                  204 - حدثنا ابن أبي داود ، قال : حدثنا سعيد بن أبي مريم ، قال : أخبرنا أبو غسان ، قال : حدثني أبو حازم ، عن سهل بن سعد ، قال : " كنا نصلي مع النبي - صلى الله عليه وسلم - الجمعة ، ثم تكون القائلة " .

                  205 - حدثنا ابن أبي داود ، قال : حدثنا أحمد بن عبيد الله بن يونس ، قال : حدثنا يعلى بن الحارث المحاربي ، قال : سمعت إياس بن سلمة ، عن أبيه ، قال : " كنا نصلي مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الجمعة فننصرف وليس للحيطان فيء " .

                  فهذه الآثار قد رويت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الوقت الذي صلى فيه الجمعة كما ذكر فيها فأما حديث سلمة في قوله : " فننصرف وليس للحيطان فيء " ، فهذا عندنا عليه يريد الفيء الذي يظل وأما حديث عبد الرحمن ، عن أبيه ، وحديث سهل وذكر القائلة فيهما ، فهما أيضا عندنا بعد الزوال ، لأن القائلة إنما تكون بعد الزوال .

                  وأما حديث محمد بن علي بن حسين ، عن جابر في ذكره زوال الشمس فهو أيضا على حين تزول ، لأنه لا يكون زوالها إلا وقد زالت ، وقد بين ذلك وفسره أنس في حديثه الذي روينا عنه في هذا الباب .

                  وقد روي عن أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الوقت الذي كانوا يصلونها فيه اختلاف .

                  فأما ابن مسعود فروي عنه في ذلك ما [ ص: 144 ] :

                  206 - حدثنا إبراهيم بن مرزوق ، قال : حدثنا وهب بن جرير ، قال : حدثنا شعبة ، عن عمرو بن مرة ، عن عبد الله بن سلمة ، قال : صلى عبد الله بن مسعود بأصحابه الجمعة ضحى ، ثم قال : " إنما فعلت ذلك مخافة الحر عليكم " .

                  وقد خالفه فيما فعل من ذلك عمر بن الخطاب ، وعلي بن أبي طالب .

                  207 - حدثنا يونس ، قال : حدثنا يحيى بن حسان ، قال حدثنا هشيم ، قال : أخبرنا الزهري ، عن عبيد الله بن عبد الله ، عن ابن عباس ، قال : " رحت إلى المسجد ، يعني : يوم الجمعة ، ولا أظن أن أحدا سبقني ، فإذا سعيد بن عمرو بن نفيل جالس ، فجلست إلى جنبه ، فلما زالت الشمس خرج عمر بن الخطاب فقعد على المنبر ، وأذن المؤذن " .

                  208 - حدثنا سليمان بن شعيب ، قال : حدثنا علي بن معبد ، قال : حدثنا أبو بكر بن عباس ، عن أبي إسحاق ، قال : " صليت مع علي بن أبي طالب الجمعة بالهاجرة ، قال : قلت : قبل الزوال أو بعد الزوال ؟ قال : بعد الزوال " .

                  وهذا من فعلهما بحضرة غيرهما من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غير أن في حديث عبد الله ما يدل على أن المتعارف منهم في الجمعة غير الذي فعله ، لقوله لهم ، " إنما فعلت ذلك مخافة الحر عليكم " ، وليس لأحد أن يعجل صلاة عن وقتها لحر ولا لبرد إلا بإباحة من الله - عز وجل - إياه ذلك .

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية