الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ولما بين حال الوفاق؛ وما خالطه من شيء من الأخلاق التي يقوم بإصلاحها الزوج؛ أتبعه حال المباينة والشقاق؛ المحوج إلى من ينصف أحدهما من الآخر؛ فقال: وإن خفتم ؛ أي: أيها المتقون القادرون على الإصلاح؛ من الولاة؛ وغيرهم؛ شقاق بينهما ؛ أي: الزوجين؛ المفهومين من السياق؛ يكون كل واحد منهما في شق غير الشق الذي فيه الآخر؛ [ ص: 273 ] ولا يكون ذلك إلا وأحدهما على باطل؛ وأضاف الشقاق إلى البين؛ ليفيد أن هذا العمل إنما يكون عند الخوف من شقاق خاص؛ وهو أن يكون البين المضاف إليهما - وهو الذي يميز كل واحد منهما من الآخر - لا تمكن في العادة إزالته؛ ليكونا شيئا واحدا؛ كما كانا لا بين لهما؛ وذلك بظن أنه لا صلاح في اجتماعهما؛ فابعثوا ؛ أي: إليهما؛ للإصلاح بينهما؛ بإنصاف المظلوم من الظالم؛ حكما من أهله ؛ أي: الزوج؛ وحكما من أهلها ؛ أي: الزوجة؛ هذا أكمل لأن أهلهما أقرب إلى إزالة أسباب الشقاق من بينهما؛ لأنهم أجدر بالاطلاع على بواطن أمورهما؛ وعلى حقائق أحوالهما؛ والزوجان أقرب إلى إطلاعهما إن كانا قريبين على ضمائرهما؛ وأقرب إلى إخفاء ذلك عن الأجانب; وفائدة الحكمين أن يخلو كل منهما بصاحبه؛ ويستكشف حقيقة الحال؛ ليعرف وجه الصلاح.

                                                                                                                                                                                                                                      ثم أجاب من كأنه قال: وماذا عسى أن يضيفا؟ بقوله: إن يريدا ؛ أي: الحكمان؛ إصلاحا ؛ أي: بينهما؛ وكأنه نكره لأن الإخلاص؛ ووجود الكمال؛ قليل؛ يوفق الله ؛ الذي له الإحاطة بعلم الغيب؛ والشهادة؛ بينهما ؛ أي: الزوجين؛ لأن صلاح النية أكبر معين [ ص: 274 ] على بلوغ المقاصد؛ وهذا دال على أنه لا يكون شيء إلا بالله؛ وأن الأسباب إنما هي محنة من الله؛ يسعد بها من يباشرها؛ ويعتمد على الله دونها؛ ويشقى بها من يجعلها محط قصده؛ فيعتمد عليها.

                                                                                                                                                                                                                                      ولما كان المصلح قد يظن مفسدا لصدعه بمر الحق من غير مداراة؛ والمفسد قد يعد مصلحا لما يرى منه من المداهنة؛ والمراءاة؛ والمكر؛ فيظن من يخلف الوعد بالتوفيق غير ما في نفس الأمر; قال (تعالى) - مزيلا لهذا الوهم؛ مرغبا؛ ومرهبا -: إن الله ؛ أي: المحيط بجميع صفات الكمال؛ كان عليما ؛ أي: مطلقا؛ على ما يمكن الاطلاع عليه؛ وإن غاب عن غيره؛ خبيرا ؛ أي: لا يخفى عليه من ذلك خفي؛ ولا يغيب عنه خبيء؛ فصارت هذه الآيات كفيلة بغالب أحوال النكاح؛ ولم يذكر - سبحانه وتعالى - الطلاق عندما ذكر الشقاق؛ لتقدمه في "البقرة"؛ ولأن مبنى هذه السورة على التواصل؛ والتواد؛ دون التفاصل والتراد؛ كما قال ابن الزبير؛ ولهذا - أي: لبناء السورة على التواصل؛ والائتلاف؛ دون التفاصل؛ والاختلاف - خصت من حكم تشاجر الزوجين بالإعلام بصورة الإصلاح؛ والعدالة؛ إبقاء لذلك التواصل؛ فلم يكن الطلاق [ ص: 275 ] ليناسب هذا؛ فلم يقع له هنا ذكر؛ ولا إيماء؛ إلا قوله: وإن يتفرقا يغن الله كلا من سعته ؛ انتهى.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية