(
nindex.php?page=tafseer&surano=78&ayano=28وكذبوا بآياتنا كذابا )
والنوع الثاني من قبائح أفعالهم : قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=78&ayano=28وكذبوا بآياتنا كذابا ) اعلم أن للنفس الناطقة الإنسانية قوتين : نظرية وعملية، وكمال الإنسان في أن يعرف الحق لذاته والخير لأجل العمل به، ولذلك قال
إبراهيم : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=83رب هب لي حكما وألحقني بالصالحين ) [الشعراء : 83] (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=83هب لي حكما ) إشارة إلى كمال القوة النظرية، (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=83وألحقني بالصالحين ) إشارة إلى كمال القوة العملية، فهاهنا بين الله تعالى رداءة حالهم في الأمرين، أما في القوة العملية فنبه على فسادها بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=78&ayano=27إنهم كانوا لا يرجون حسابا ) أي كانوا مقدمين على جميع القبائح والمنكرات، وغير راغبين في شيء من الطاعات والخيرات .
وأما في القوة النظرية فنبه على فسادها بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=78&ayano=28وكذبوا بآياتنا كذابا ) أي كانوا منكرين بقلوبهم للحق
[ ص: 17 ] ومصرين على الباطل، وإذا عرفت ما ذكرناه من التفسير ظهر أنه تعالى بين أنهم كانوا قد بلغوا في الرداءة والفساد إلى حيث يستحيل عقلا وجود ما هو أزيد منه، فلما كانت أفعالهم كذلك كان اللائق بها هو العقوبة العظيمة، فثبت بهذا صحة ما قدمه في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=78&ayano=26جزاء وفاقا ) فما أعظم لطائف القرآن مع أن الأدوار العظيمة قد استمرت، ولم ينتبه لها أحد، فالحمد لله حمدا يليق بعلو شأنه وبرهانه على ما خص هذا الضعيف بمعرفة هذه الأسرار .
واعلم أن قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=78&ayano=28وكذبوا بآياتنا كذابا ) يدل على أنهم
nindex.php?page=treesubj&link=28645_30542_28757_28760كذبوا بجميع دلائل الله تعالى في التوحيد والنبوة والمعاد والشرائع والقرآن، وذلك يدل على كمال حال القوة النظرية في الرداءة والفساد والبعد عن سواء السبيل، وقوله : ( كذابا ) أي تكذيبا ، وفعال من مصادر التفعل، وأنشد
الزجاج :
لقد طال ما ريثتني عن صحابتي وعن حوج قضاؤها من شفائنا
من قضيت قضاء، قال
الفراء : وهي لغة فصيحة يمانية ، ونظيره خرقت القميص خراقا، وقال لي أعرابي منهم على المروة يستفتيني : الحلق أحب إليك أم القصار؟ وقال صاحب الكشاف : كنت أفسر آية فقال بعضهم : لقد فسرتها فسارا ما سمع به، وقرئ بالتخفيف وفيه وجوه :
أحدها : أنه مصدر كذب بدليل قوله :
فصدقتها أو كذبتها والمرء ينفعه كذابه
وهو مثل قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=71&ayano=17أنبتكم من الأرض نباتا ) [نوح : 17] يعني وكذبوا بآياتنا فكذبوا كذابا .
وثانيها : أن ينصبه بـ : كذبوا ؛ لأنه يتضمن معنى كذبوا لأن كل مكذب بالحق كاذب .
وثالثها : أن يجعل الكذاب بمعنى المكاذبة، فمعناه وكذبوا بآياتنا فكاذبوا مكاذبة، أو كذبوا بها مكاذبين، لأنهم إذا كانوا عند المسلمين كاذبين، وكان المسلمون عندهم كاذبين فبينهم مكاذبة، وقرئ أيضا كذلك وهو جمع كاذب، أي كذبوا بآياتنا كاذبين، وقد يكون الكذاب بمعنى الواحد البليغ في الكذب، يقال : رجل كذاب كقولك حسان وبخال ، فيجعل صفة لمصدر كذبوا أي تكذيبا كذابا مفرطا كذبه .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=78&ayano=28وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كِذَّابًا )
وَالنَّوْعُ الثَّانِي مِنْ قَبَائِحِ أَفْعَالِهِمْ : قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=78&ayano=28وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كِذَّابًا ) اعْلَمْ أَنَّ لِلنَّفْسِ النَّاطِقَةِ الْإِنْسَانِيَّةِ قُوَّتَيْنِ : نَظَرِيَّةً وَعَمَلِيَّةً، وَكَمَالُ الْإِنْسَانِ فِي أَنْ يَعْرِفَ الْحَقَّ لِذَاتِهِ وَالْخَيْرَ لِأَجْلِ الْعَمَلِ بِهِ، وَلِذَلِكَ قَالَ
إِبْرَاهِيمُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=83رَبِّ هَبْ لِي حُكْمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ ) [الشُّعَرَاءِ : 83] (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=83هَبْ لِي حُكْمًا ) إِشَارَةٌ إِلَى كَمَالِ الْقُوَّةِ النَّظَرِيَّةِ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=83وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ ) إِشَارَةٌ إِلَى كَمَالِ الْقُوَّةِ الْعَمَلِيَّةِ، فَهَاهُنَا بَيَّنَ اللَّهُ تَعَالَى رَدَاءَةَ حَالِهِمْ فِي الْأَمْرَيْنِ، أَمَّا فِي الْقُوَّةِ الْعَمَلِيَّةِ فَنَبَّهَ عَلَى فَسَادِهَا بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=78&ayano=27إِنَّهُمْ كَانُوا لَا يَرْجُونَ حِسَابًا ) أَيْ كَانُوا مُقْدِمِينَ عَلَى جَمِيعِ الْقَبَائِحِ وَالْمُنْكَرَاتِ، وَغَيْرَ رَاغِبِينَ فِي شَيْءٍ مِنَ الطَّاعَاتِ وَالْخَيْرَاتِ .
وَأَمَّا فِي الْقُوَّةِ النَّظَرِيَّةِ فَنَبَّهَ عَلَى فَسَادِهَا بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=78&ayano=28وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كِذَّابًا ) أَيْ كَانُوا مُنْكِرِينَ بِقُلُوبِهِمْ لِلْحَقِّ
[ ص: 17 ] وَمُصِرِّينَ عَلَى الْبَاطِلِ، وَإِذَا عَرَفْتَ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنَ التَّفْسِيرِ ظَهَرَ أَنَّهُ تَعَالَى بَيَّنَ أَنَّهُمْ كَانُوا قَدْ بَلَغُوا فِي الرَّدَاءَةِ وَالْفَسَادِ إِلَى حَيْثُ يَسْتَحِيلُ عَقْلًا وُجُودُ مَا هُوَ أَزْيَدُ مِنْهُ، فَلَمَّا كَانَتْ أَفْعَالُهُمْ كَذَلِكَ كَانَ اللَّائِقُ بِهَا هُوَ الْعُقُوبَةَ الْعَظِيمَةَ، فَثَبَتَ بِهَذَا صِحَّةُ مَا قَدَّمَهُ فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=78&ayano=26جَزَاءً وِفَاقًا ) فَمَا أَعْظَمَ لَطَائِفَ الْقُرْآنِ مَعَ أَنَّ الْأَدْوَارَ الْعَظِيمَةَ قَدِ اسْتَمَرَّتْ، وَلَمْ يَنْتَبِهْ لَهَا أَحَدٌ، فَالْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا يَلِيقُ بِعُلُوِّ شَأْنِهِ وَبُرْهَانِهِ عَلَى مَا خَصَّ هَذَا الضَّعِيفَ بِمَعْرِفَةِ هَذِهِ الْأَسْرَارِ .
وَاعْلَمْ أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=78&ayano=28وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كِذَّابًا ) يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ
nindex.php?page=treesubj&link=28645_30542_28757_28760كَذَّبُوا بِجَمِيعِ دَلَائِلِ اللَّهِ تَعَالَى فِي التَّوْحِيدِ وَالنُّبُوَّةِ وَالْمَعَادِ وَالشَّرَائِعِ وَالْقُرْآنِ، وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى كَمَالِ حَالِ الْقُوَّةِ النَّظَرِيَّةِ فِي الرَّدَاءَةِ وَالْفَسَادِ وَالْبُعْدِ عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ، وَقَوْلُهُ : ( كِذَّابًا ) أَيْ تَكْذِيبًا ، وَفِعَّالٌ مِنْ مَصَادِرِ التَّفَعُّلِ، وَأَنْشَدَ
الزَّجَّاجُ :
لَقَدْ طَالَ مَا رَيَّثْتَنِي عَنْ صَحَابَتِي وَعَنْ حِوَجٍ قِضَّاؤُهَا مِنْ شِفَائِنَا
مِنْ قَضَّيْتُ قِضَّاءً، قَالَ
الْفَرَّاءُ : وَهِيَ لُغَةٌ فَصِيحَةٌ يَمَانِيَّةٌ ، وَنَظِيرُهُ خَرَّقْتُ الْقَمِيصَ خِرَّاقًا، وَقَالَ لِي أَعْرَابِيٌّ مِنْهُمْ عَلَى الْمَرْوَةِ يَسْتَفْتِينِي : الْحَلْقُ أَحَبُّ إِلَيْكَ أَمِ الْقِصَّارُ؟ وَقَالَ صَاحِبُ الْكَشَّافِ : كُنْتُ أُفَسِّرُ آيَةً فَقَالَ بَعْضُهُمْ : لَقَدْ فَسَّرْتَهَا فِسَّارًا مَا سُمِعَ بِهِ، وَقُرِئَ بِالتَّخْفِيفِ وَفِيهِ وُجُوهٌ :
أَحَدُهَا : أَنَّهُ مَصْدَرُ كَذَّبَ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ :
فَصَدَقْتُهَا أَوْ كَذَبْتُهَا وَالْمَرْءُ يَنْفَعُهُ كِذَّابُهُ
وَهُوَ مِثْلُ قَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=71&ayano=17أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا ) [نُوحٍ : 17] يَعْنِي وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَكَذَّبُوا كِذَّابًا .
وَثَانِيهَا : أَنْ يَنْصِبَهُ بِـ : كَذَّبُوا ؛ لِأَنَّهُ يَتَضَمَّنُ مَعْنَى كَذَّبُوا لِأَنَّ كُلَّ مُكَذِّبٍ بِالْحَقِّ كَاذِبٌ .
وَثَالِثُهَا : أَنْ يَجْعَلَ الْكِذَّابَ بِمَعْنَى الْمُكَاذَبَةِ، فَمَعْنَاهُ وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَكَاذَبُوا مُكَاذَبَةً، أَوْ كَذَّبُوا بِهَا مُكَاذِبِينَ، لِأَنَّهُمْ إِذَا كَانُوا عِنْدَ الْمُسْلِمِينَ كَاذِبِينَ، وَكَانَ الْمُسْلِمُونَ عِنْدَهُمْ كَاذِبِينَ فَبَيْنَهُمْ مُكَاذَبَةٌ، وَقُرِئَ أَيْضًا كَذَلِكَ وَهُوَ جَمْعُ كَاذِبٍ، أَيْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كَاذِبِينَ، وَقَدْ يَكُونُ الْكَذَّابُ بِمَعْنَى الْوَاحِدِ الْبَلِيغِ فِي الْكَذِبِ، يُقَالُ : رَجُلٌ كَذَّابٌ كَقَوْلِكَ حَسَّانٌ وَبَخَّالٌ ، فَيُجْعَلُ صِفَةً لِمَصْدَرِ كَذَّبُوا أَيْ تَكْذِيبًا كِذَّابًا مُفْرِطًا كَذِبُهُ .