الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ( فصل ) في بيان حكم الأعيان المشتركة المستفادة من الأرض ( المعدن ) هو حقيقة البقعة التي أودعها الله تعالى جواهر ظاهرا وباطنا ، سميت بذلك لعدون : أي إقامة ما أثبته الله فيها ، والمراد ما فيها ( الظاهر وهو ما يخرج ) جوهره ( بلا علاج ) في بروزه ، وإنما العلاج في تحصيله ( كنفط ) بكسر أوله ويجوز فتحه دهن معروف ( وكبريت ) بكسر أوله أصله عين تجري فإذا جمد ماؤها صار كبريتا وأعزه الأحمر ، ويقال إنه من الجواهر ولهذا يضيء في معدنه ( وقار ) أي زفت ( وموميا ) بضم أوله وبالمد وحكي القصر : شيء يلقيه الماء في بعض السواحل فيجمد ويصير كالقار ، وقيل حجارة سود باليمن ويؤخذ من عظام موتى الكفار شيء يسمى بذلك وهو نجس أي متنجس ( وبرام ) بكسر أوله جمع برمة بضمها : حجر يعمل منه قدور الطبخ ( وأحجار رحى ) ونورة ومدر وملح مائي أو جبلي إن لم يحوج إلى حفر وتعب أو ألحق به قطعة نحو ذهب أظهرها السيل من معدن ( لا يملك ) بقعة ونيلا بالإحياء لمن علمه قبل إحيائه ( ولا يثبت فيه اختصاص بتحجر ولا إقطاع ) بالرفع من نحو سلطان بل هو مشترك بين الناس مسلمهم وكافرهم كالماء والكلإ لما صح { أنه صلى الله عليه وسلم أقطع رجلا ملح مأرب } أي مدينة قرب صنعاء كانت بها بلقيس { فقال رجل : يا رسول الله إنه كالماء العد ، قال : فلا إذن } وللإجماع على منع إقطاع مشارع الماء وهذا مثلها بجامع الحاجة العامة وأخذها بغير عمل ، ويمتنع أيضا إقطاع وتحجر أرض لأخذ نحو حطبها وصيدها وبركة لأخذ سمكها ، وظاهر كلامه نفي [ ص: 350 ] إقطاع التملك والارتفاق وهو كذلك وإن قيد الزركشي المنع بالأول ، وذكر في الأنوار أن من المشترك بين الناس الممتنع على الإمام إقطاعه الأيكة وثمارها وصيد البر والبحر وجواهره ، قال غيره : ومنه ما يلقيه البحر من العنبر فهو لآخذه ، وما ذكره في الأيكة وثمارها يخالفه ما في التنبيه من أن من أحيا مواتا ملك ما فيه من النخل وإن كثر .

                                                                                                                            ويمكن الجمع بحمل الأول على قصد الأيكة دون محلها ، والثاني على قصد إحياء الأرض المشتملة على ذلك فيدخل تبعا ، وعلم من ذلك أن من ملك أرضا بالإحياء ملك ما فيها حتى الكلأ ، وإطلاقهما أنه لا يملك يمكن حمله على ما ليس في مملوك وعلى عدم ملكه هو أحق به ، أما إذا لم يعلم إلا بعد الإحياء فيملكه بقعة ونيلا إجماعا على ما حكاه الإمام ، وأما ما فيه علاج كما لو كان بقرب الساحل بقعة لو حفرت وسيق الماء إليها ظهر الملح فيملك بالإحياء وللإمام إقطاعها ( فإن ضاق نيله ) أي الحاصل منه عن اثنين تسابقا إليه ، ومثله في هذا الباطن الآتي ( قدم السابق ) منهما لسبقه ، وإنما يقدم ( بقدر حاجته ) عرفا فله أخذ ما تقتضيه عادة أمثاله ، ويبطل حقه بانصرافه وإن لم يأخذ شيئا ( فإن طلب زيادة ) على حاجته ( فالأصح إزعاجه ) إن زوحم على الزيادة ، لأن عكوفه عليه كالتحجر ، والثاني يأخذ منه ما شاء لسبقه ، وفارق ما مر في نحو مقاعد الأسواق بشدة الحاجة إلى المعادن ، ومحل الخلاف عند انتفاء إضرار الغير ، وإلا أزعج جزما ( فلو جاءا ) إليه ( معا ) أو جهل السابق ولم يكفهما الحاصل منه لحاجتهما ، أو تنازعا في الابتداء ( أقرع بينهما في الأصح ) لانتفاء المرجح ، فإن وسعهما اجتمعا ، وليس [ ص: 351 ] لأحد أخذ أكثر من الآخر برضاه قاله في الجواهر ، وهو محمول على أخذ الأكثر من البقعة لا النيل إذ له أخذ الأكثر منه ، ولا فرق كما هو ظاهر كلام المصنف بين أخذ أحدهما للتجارة والآخر للحاجة أو لا .

                                                                                                                            نعم لو كان أحدهما مسلما والآخر ذميا قدم المسلم كما بحثه الأذرعي في نظير ما مر في مقاعد الأسواق ، ومقابل الأصح يجتهد الإمام ويقدم من يراه أحوج ، وقيل ينصب من يقسم الحاصل بينهما ( والمعدن الباطن وهو ما لا يخرج إلا بعلاج كذهب وفضة وحديد ونحاس ) ورصاص وفيروزج وعقيق وسائر الجواهر المبثوثة في الأرض ، وعد في التنبيه الياقوت من المعادن الظاهرة ، وجرى عليه الدميري ، والمجزوم به في الروضة وأصلها أنه من الباطنة ( لا يملك ) محله ( بالحفر والعمل ) مطلقا ولا بالإحياء في موات على ما يأتي ( في الأظهر كالظاهر ) .

                                                                                                                            والثاني يملك بذلك إذا قصد التملك كالموات ، وفرق الأول بأن الموات يملك بالعمارة وحفر المعدن تخريب ، ولأن الموات إذا ملك يستغني المحيي عن العمل والنيل مبثوث في طبقات الأرض يحوج كل يوم إلى حفر وعمل وخرج بمحله نيله فيملك من غير إذن الإمام بالأخذ قطعا لا قبل الأخذ على الأصح ، وأفهم سكوته هنا عن الإقطاع جوازه وهو كذلك للاتباع بالنسبة للإرفاق لا للتملك .

                                                                                                                            نعم لا يثبت فيه اختصاص بتحجر كالظاهر .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( فصل ) في بيان حكم الأعيان المشتركة

                                                                                                                            ( قوله : في بيان حكم إلخ ) أي وما يتبع ذلك كقسمة ماء القناة المشتركة ( قوله : والمراد ما فيها ) أي فيكون مجازا ( قوله : فإذا جمد ) من باب نصر ودخل ا هـ مختار ( قوله : يسمى بذلك ) أي وليس هو مرادا هنا كما هو ظاهر لأن الكلام في المعادن التي تخرج من الأرض ( قوله : وألحق به ) أي المعدن الظاهر ( قوله : كالماء العد ) أي الذي له مادة لا تنقطع كما تقدم له ( قوله : وللإجماع ) أي فلا يختص إذن ( قوله : وبركة ) بكسر الباء كما في القاموس ، [ ص: 350 ] ونقل بالدرس عن السيوطي أن فيه لغة بضم الباء ( قوله : الأيكة ) أي وهي الأشجار النابتة في الأراضي لا مالك لها ا هـ حج .

                                                                                                                            وهي أوضح في المراد من التعبير بالقرية لشمولها للمملوك وغيره وهو لا يوافق الجمع الآتي ( قوله وأما ما فيه علاج ) قضية إفراده بالذكر أنه غير الباطن الآتي ، وعليه فما معنى كونه ليس من الظاهر ولا من الباطن ولكنه يخرج بعلاج إلا أن يقال : المراد أنه ليس في الأرض نفسها معدن لكن لفساد تربتها إذا دخلها الماء واختلط بتربتها صار الماء المختلط بالتراب ملحا ، فالأرض لا معدن فيها ولكنه يحصل بإجراء الماء إليها فجاز إحياؤها لكون المحيا أرضا مجردة ( قوله : وللإمام إقطاعها ) هل يختص ذلك بالإرفاق قياسا على الباطن الآتي أو يعمه والتمليك ؟ فيه نظر ، والأقرب الثاني لأنها تملك بالإحياء ولو مع العلم بها وليس الباطن كذلك ( قوله : قدم السابق ) أي لو ذميا ، ونقل عن شيخنا الزيادي ما يوافقه ( قوله : بقدر حاجته ) هل المراد حاجة يومه أو أسبوعه أو شهره أو سنته أو عمره الغالب أو عادة الناس من ذلك ا هـ سم على حج أقول : الأقرب اعتبار العمر الغالب كما في أخذ الزكاة ، وقد يقال بل الأقرب اعتبار عادة الناس ولو للتجارة ، ويفرق بينه وبين الزكاة بأن الناس مشتركون في المعدن بالأصالة ، بخلاف الزكاة فإن مبناها على الحاجة ومن ثم امتنعت على الغني بمال أو كسب بخلاف المعدن

                                                                                                                            ( قوله : فالأصح إزعاجه ) أي وعليه فلو أخذ شيئا قبل الإزعاج هل يملكه أم لا ؟ فيه نظر ، والأقرب الأول لأنه حين أخذه كان مباحا ( قوله : إن زوحم ) أي فإن لم يزاحم لم يتعرض له ، لكن مقتضى التعليل بأن عكوفه عليه كالتحجر يقتضي أنه لا فرق فإنه ما دام مقيما عليه يهاب فلا يقدم عليه غيره وإن احتاج ما دام مقيما ( قوله : أقرع بينهما ) أي وجوبا ، ويؤخذ من قوله لانتفاء المرجح أنه لو كان أحدهما [ ص: 351 ] مسلما قدم كما مر ، وسيأتي التصريح به في كلام الشارح ( قوله : قاله في الجواهر ) هي للقمولي ( قوله : قدم المسلم ) أي وإن اشتدت حاجة الذمي لأن ارتفاقه إنما هو بطريق التبع لنا ( قوله : وعد في التنبيه الياقوت إلخ ) حمل سم على حج القول بأنه من الظاهر على أن المراد أحجاره ، والقول بأنه من الباطن على نفس الياقوت فليراجع ( قوله : والعمل ) هو أعم من الحفر ( قوله : بالنسبة للإرفاق ) لا ينافي هذا ما مر في قوله وظاهر كلامه نفي إقطاع التملك والارتفاق وهو كذلك إلخ ، لأن ذاك في الظاهر وهذا في الباطن ، وقد يفرق بينهما بأن ما هنا لما كان يحوج إلى تعب لم يكن كالحاصل فجاز إقطاعه للإرفاق بخلاف الظاهر



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            ( فصل ) في بيان حكم الأعيان المشتركة . ( قوله : مأرب ) بإسكان الهمزة وكسر الراء [ ص: 350 ] قوله : الأيكة ) وهي الأشجار النابتة في الأرض التي لا مالك لها ( قوله : على ما حكاه الإمام ) التبري إنما هو بالنسبة لحكاية الإجماع خاصة ، وإلا فالحكم مسلم كما يعلم مما يأتي

                                                                                                                            [ ص: 351 ] قوله : ولأن الموات إذا ملك إلخ ) عبارة القوت : ولأن الموات إذا ملك لا يحتاج في تحصيل مقصوده إلى مثل العمل الأول بخلاف المعدن




                                                                                                                            الخدمات العلمية