الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          [ ص: 395 ] باب النذر والوعد والعهد وهو التزامه لله تعالى شيئا بقوله لا بنية مجردة ، وظاهره لا تعتبر صيغة خاصة ، يؤيده ما يأتي في رواية ابن منصور وظاهر كلام جماعة أو الأكثر : تعتبر لله علي ، أو علي كذا ، ويأتي كلام ابن عقيل : إلا مع دلالة حال . وفي المذهب : بشرط إضافته ، فيقول : لله علي ، وهو مكروه لا يأت بخير .

                                                                                                          وقال ابن حامد : يرد قضاء ولا يملك به شيئا محدثا ، وتوقف شيخنا في تحريمه ، ونقل عبد الله : نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم . وقال ابن حامد : المذهب : مباح . وحرمه طائفة من أهل الحديث ، وظاهر ما سبق ، يصلي النفل كما هو ، لا بنذره ، ثم يصليه ، خلافا للأرجح للحنفية . ولا يصح إلا من مكلف ولو كافرا بعبادة . نص عليه . وقيل : منه بغيرها . مأخذه أن نذره لها كالعبادة لا اليمين .

                                                                                                          والمنعقد أنواع :

                                                                                                          ( أحدها ) على نذر أو إن فعلت كذا ولا نية وفعله فكفارة يمين .

                                                                                                          ( الثاني ) نذر لجاج وغضب ، وهو تعليقه بشرط يقصد المنع منه أو الحمل عليه . نحو إن كلمتك أو إن لم أضربك فعلي الحج أو العتق .

                                                                                                          أو مالي صدقة . فإذا وجد شرطه ففي الواضح : يلزمه . وعنه : تعيين كفارة [ ص: 396 ] يمين . والمذهب : يخير بينها وبينه ( م 1 ) نقل صالح : إذا فعل المحلوف عليه فلا كفارة ، بلا خلاف ، ولا يضر قوله على مذهب من يلزم بذلك ، أو لا أقلد من يرى الكفارة ونحوه ، ذكره شيخنا ، لأن الشرع لا يتغير بتوكيد ، ويتوجه فيه : كانت طالق بتة ، قال شيخنا : وإن قصد لزوم الجزاء عند الشرط لزمه مطلقا ، عند أحمد ، نقل الجماعة فيمن حلف بحجة ، أو بالمشي إلى بيت الله الحرام : إن أراد يمينا كفر يمينه ، وإن أراد نذرا فعلى حديث عقبة .

                                                                                                          ونقل ابن منصور : من قال أنا أهدي جاريتي أو داري ، فكفارة يمين إن أراد اليمين . وقال في امرأة حلفت إن لبست قميصي هذا فهو مهدى : تكفر بإطعام عشرة مساكين ، كل مسكين مد ، ونقل مهنا : إن قال : غنمي صدقة وله غنم شركة ، إن نوى يمينا فكفارة يمين . وإن علق الصدقة به ببيعه والمشتري بشرائه فاشتراه كفر كلا منهما كفارة يمين ، نص عليه .

                                                                                                          وقال شيخنا : إذا حلف بمباح أو معصية لا شيء عليه ، كنذرهما ، [ ص: 397 ] فإن ما لم يلزم بنذره لا يلزم به شيء إذا حلف به ، فمن يقول لا يلزم الناذر شيء لا يلزم الحالف بالأولى ، فإن إيجاب النذر أقوى من إيجاب اليمين .

                                                                                                          ( الثالث ) نذر مستحبا يقصد التقرب ، مطلقا ، أو علقه بشرط نعمة ، أو دفع نقمة ، قال في المستوعب أو غيره : كطلوع الشمس ، نحو إن شفى الله مريضي ، أو سلم مالي ، أو إن طلعت الشمس ، فلله علي كذا ، أو فعلت كذا ، لدلالة الحال ، ذكره ابن عقيل وغيره ، نحو تصدقت بكذا .

                                                                                                          ونص عليه أحمد في : إن قدم فلان تصدقت بكذا ، وكذا قال شيخنا فيمن قال إن قدم فلان أصوم كذا : هذا نذر يجب الوفاء به مع القدرة ، لا أعلم فيه نزاعا ، ومن قال ليس بنذر قد أخطأ . وقال قول القائل : لئن ابتلاني لأصبرن ، ولئن لقيت عدوا لأجاهدن ، ولو علمت أي العمل أحب إلى الله لعملته ، نذر معلق بشرط ، كقول الآخر { لئن آتانا من فضله } الآية ، ونظير ابتداء الإيجاب تمني لقاء العدو ويشبهه سؤال الإمارة ، فإيجاب المؤمن على نفسه إيجابا لم يحتج إليه بنذر وعهد وطلب وسؤال جهل منه وظلم .

                                                                                                          وقوله لئن ابتلاني لصبرت ونحو ذلك ، إن كان وعدا والتزاما فنذر ، وإن كان خبرا عن الحال ففيه تزكية للنفس وجهل بحقيقة حالها ، والمنصوص : أو حلف بقصد التقرب فقال والله لئن سلم مالي لأتصدقن بكذا ( ش ) فوجد شرطه لزمه ، ويجوز فعله قبله ، ذكره في التبصرة والفنون ، وحكاه عن أبي الطيب أيضا لوجود أحد سببيه ، والنذر كاليمين . ومنعه أبو الخطاب ، لأن تعليقه [ ص: 398 ] منع كونه سببا .

                                                                                                          وفي الخلاف : لأنه لم يلزمه فلا تجزئه عن الواجب ، ذكراه في جواز صوم المتمتع السبعة قبل رجوعه إلى أهله . وفي الخلاف فيمن نذر صوم يوم يقدم فلان لم يجب ، لأن سبب الوجوب القدوم ، وما وجد ، وذكر القاضي أن المخالف في هذه المسألة احتج بأن الناذر عند وجود الشرط يصير كالمتكلم بالجواب عند وجود الشرط ، لأنه لو قال : إن ملكت هذا الثوب فلله علي أن أتصدق بهذا الثوب اليوم ، فيلزمه أن يتصدق به ، كذا يجب أن يصير عند قدوم فلان ، كأنه قال لله علي أن أصوم هذا اليوم وقد أكل فيه ، فلا يلزمه ، والجواب أنه يلزمك أن تقول مثل هذا إذا نذر صوم يوم الخميس فأفطر فيه أنه لا يلزمه القضاء ، ويجعله كالمتكلم بالجواب عند وجود الشرط ، وهو اليوم ، ولما لم نقل بهذا في يوم بعينه كذا في مسألتنا . وأما نذر صوم يوم قد أكل فيه فإنما لم يلزمه ; لأنه يحصل نذر معصية .

                                                                                                          [ ص: 396 ]

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          [ ص: 396 ] مسألة 1 ) قوله في نذر اللجاج والغضب : " وإذا وجد شرطه ففي الواضح : يلزمه ، وعنه : تعيين كفارة يمين ، والمذهب : يخير بينها وبينه " ، انتهى .

                                                                                                          فصرح بالمذهب ، لكن ظاهر كلامه على غير المذهب إطلاق الخلاف بين كفارة يمين وفعل ما وجد شرطه ، والصحيح منهما تعيين كفارة اليمين ، قطع به في المغني والشرح وغيرهما .




                                                                                                          الخدمات العلمية