الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                              الآية الخامسة قوله تعالى : { ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياما وارزقوهم فيها واكسوهم وقولوا لهم قولا معروفا } فيها أربع مسائل :

                                                                                                                                                                                                              المسألة الأولى : في السفه : وقد تقدم بيانه في آية الدين في سورة البقرة ، والمراد به هاهنا الصغيرة والمرأة التي لم تجرب . وقد قال بعض الناس : إن السفه صفة ذم ، والصغيرة والمرأة لا تستحقان ذما . وهذا ضعيف ; فإن النبي عليه السلام قد وصف المرأة بنقصان الدين والعقل ، وكذلك الصغير موصوف بالغرارة والنقص ، وإن كانا لم يفعلا ذلك بأنفسهما ، لكنهما [ ص: 416 ] لا يلامان على ذلك ، فنهى الله سبحانه عن إيتاء المال إليهم ، وتمكينهم منه ، وجعله في أيديهم ; ويجوز هبة ذلك لهم ، فيكون للسفهاء ملكا ولكن لا يكون لهم عليه يد .

                                                                                                                                                                                                              المسألة الثانية : قوله تعالى : { أموالكم } اختلف في هذه الإضافة على قولين : أحدهما : أنها حقيقة ، والمراد نهي الرجل أو المكلف أن يؤتي ماله سفهاء أولاده ; فيضيعونه ويرجعون عيالا عليه . والثاني : أن المراد به نهي الأولياء عن إيتاء السفهاء من أموالهم وإضافتها إلى الأولياء ; لأن الأموال مشتركة بين الخلق ، تنتقل من يد إلى يد ، وتخرج عن ملك إلى ملك ، وهذا كقوله تعالى : { ولا تقتلوا أنفسكم } معناه : لا يقتل بعضكم بعضا ; فيقتل القاتل فيكون قد قتل نفسه ، وكذلك إذا أعطي المال سفيها فأفسده رجع النقصان إلى الكل . والصحيح أن المراد به الجميع ، لقوله تعالى : { التي جعل الله لكم قياما } وهذا عام في كل حال .

                                                                                                                                                                                                              المسألة الثالثة : قوله تعالى : { وارزقوهم فيها واكسوهم } لا يخلو أن يكون المراد بذلك ولي اليتيم ; فهو مخاطب بالتقدير المتقدم من اشتراك الخلق في الأموال ، وإن كان المخاطب به الآباء ، فهذا دليل على وجوب نفقة الولد على الوالد .

                                                                                                                                                                                                              المسألة الرابعة : قوله تعالى : { وقولوا لهم قولا معروفا } المعنى : لا تجمعوا بين الحرمان وجفاء القول لهم ، ولكن حسنوا لهم الكلام ; مثل أن يقول الرجل لوليه : أنا أنظر إليك ، وهذا الاحتياط يرجع نفعه إليك . ويقول الأب لابنه : مالي إليك مصيره ، وأنت إن شاء الله صاحبه إذا ملكتم رشدكم وعرفتم تصرفكم .

                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية