الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 313 ] 525 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله : للغازي أجره ، وللجاعل أجره وأجر الغازي

3263 - حدثنا عبد الملك بن مروان الرقي ، قال : حدثنا حجاج بن محمد ، عن الليث بن سعد ، قال : حدثني حيوة بن شريح ، عن شفي الأصبحي ، عن عبد الله بن عمرو ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : للغازي أجره ، وللجاعل أجره وأجر الغازي .

هكذا حدثناه عبد الملك ، فلم يدخل بين حيوة وبين شفي فيه أحدا .

3264 - وقد حدثناه إسماعيل بن إسحاق الكوفي ، قال : حدثنا محمد بن رمح ، قال : حدثني الليث بن سعد ، عن حيوة بن شريح ، عن ابن شفي ، عن أبيه ، عن عبد الله بن عمرو بن العاص ، عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله .

[ ص: 314 ] وقد اختلف أهل العلم في الجعائل في الغزو ، فأعلى ما وجدنا فيه منها مما روي عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها .

3265 - ما قد حدثنا إبراهيم بن أبي داود ، قال : حدثنا عمرو بن عثمان بن كثير بن دينار ، قال : حدثنا بقية بن الوليد ، قال : حدثنا المسعودي ، قال : حدثني أبو بكر بن عمرو بن عتبة ، عن ابن جرير بن عبد الله البجلي ، عن أبيه ، أن معاوية كتب إلى جرير في بعث ضربه : أما بعد ، فقد رفعنا عنك وعن ولدك الجعل ، فكتب إليه جرير : إني بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على الإسلام ، فأمسك رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي ، فاشترط علي : والنصح لكل مسلم ، فإن أنشط في هذا البعث نخرج فيه ، وإن لا ، أعطينا من أموالنا ما ينطلق المنطلق .

[ ص: 315 ] قال المسعودي : هذا أحسن ما سمعناه في الجعائل .

وقد روى حديث حيوة الذي ذكرناه في هذا الباب عبد الله بن لهيعة ، عن حيوة بخلاف ما رواه عنه الليث في إسناده وفي متنه .

[ ص: 316 ]

3266 - كما قد حدثنا يونس بن عبد الأعلى ، قال : أخبرنا عبد الله بن وهب ، قال : حدثني ابن لهيعة ، عن حيوة بن شريح ، عن حسين بن شفي الأصبحي ، عن الصحابة أنهم قالوا : يا رسول الله أفتنا في الجاعل والمجتعل في سبيل الله عز وجل ، قال : للغازي أجر ما احتسب ، وللجاعل أجر الجاعل والمجتعل ، ولم يذكر بين حسين بن شفي وبين الصحابة أحدا .

قال أبو جعفر : وأما ما قاله من تأخر من أهل العلم عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن تابعيهم في هذا الباب .

كما قد حدثنا أحمد بن أبي عمران ، قال : حدثنا محمد بن سماعة ، قال : أخبرنا محمد بن الحسن ، قال : حدثنا يعقوب ، عن أبي حنيفة رحمه الله ، قال : أكره الجعائل إذا كان للمسلمين فيء ، فإن لم يكن لهم فيء فلا بأس أن يقوي بعضهم بعضا ، ولم يحك محمد [ ص: 317 ] في ذلك خلافا بين أبي يوسف وبين أبي حنيفة .

[ ص: 318 ] قال أبو جعفر : وتأملنا ما ذكرناه في هذا الباب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم عن من ذكرناه من أصحابه ، ثم ما ذكرناه عن من ذكرناه بعدهم من أهل العلم ، فكان ما ذكرناه فيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مما ظاهره إباحة الجعائل قد يكون عند الحاجة إلى ذلك إذا لم يكن للمسلمين يومئذ فيء يغني عنه ، وكان ما ذكرناه فيه عن جرير مما لم ينكره معاوية عليه .

وقد يحتمل أيضا أن يكون ذلك كان حين لا فيء للمسلمين يغنيهم في ذلك ، وكان مما ذكرناه فيه عن أبي حنيفة رحمه الله وأصحابه كان مذهبهم فيه عندنا - والله أعلم - على أن ما يؤخذ في الجعائل ، فإنما يؤخذ للحاجة إلى ذلك التي يسع معها قبول الصدقة ، وكان المسلمون إذا كان لهم فيء كان الأولى بهم التنزه عن الصدقة ، وعن ما حكمه حكمها إذ كانت غسالة ذنوب الناس ، والاستغناء عن ذلك بالفيء الذي هو بخلاف ذلك ، والذي هو ليس من غسالة ذنوب الناس ، فإذا لم يكن ذلك أباحت الحاجة قبول ذلك للضرورة إليه .

وقد ذكرنا في هذا الباب ، وفي الباب الذي قبله شفي الأصبحي بالضم ، وهو كذلك ، ولأصحابنا المصريين الهيثم بن شفي بالفتح ، فأردنا ذكره هاهنا ليعلم شأنهما ، وأن كل واحد منهما خلاف صاحبه ، والهيثم بن شفي هو من حمير ، وهو أبو الحصين ، وشفي فمن ذي [ ص: 319 ] الأصبح ، وهم رهط من حمير .

ولهم أيضا ثمامة بن شفي بالفتح وهو أبو علي الهمداني .

فمما روي في هذا الحديث مما يدل على ما قد ذكرنا .

3267 - ما قد حدثنا يونس ، قال : حدثنا عبد الله بن وهب ، قال : أخبرنا عمرو بن الحارث أن أبا علي الهمداني حدثه ، قال : كنا مع فضالة بن عبيد برودس من أرض الروم ، فتوفي صاحب لنا ، فأمر فضالة بن عبيد بقبره فسوي ، ثم قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر بتسويتها .

[ ص: 320 ]

3268 - وما قد حدثنا عمران بن موسى الطائي ، قال : حدثنا عياش بن الوليد الرقام ، قال : حدثنا عبد الأعلى بن عبد الأعلى ، عن محمد بن إسحاق ، عن ثمامة بن شفي ، قال : خرجنا في غزاة في زمن معاوية ، وعلينا فضالة بن عبيد الأنصاري ، فتوفي ابن عم لي يقال له : نافع بن عبيد ، فقام معنا على حفرته ، فلما دفناه ، قال : خففوا عن حفرته ، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمر بتسوية القبور .

فعقلنا بهذين الحديثين أن ثمامة المذكور في أحدهما هو أبو علي المذكور في الآخر منهما ، وأن أبا علي المذكور في أحدهما هو ثمامة المذكور في الآخر منهما ، والله نسأله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية