الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      يومئذ يود الذين كفروا وعصوا الرسول لو تسوى بهم الأرض ولا يكتمون الله حديثا

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: لو تسوى بهم الأرض قرأ ابن كثير ، وعاصم ، وأبو عمرو: لو تسوى ، بضم التاء ، وتخفيف السين . والمعنى: ودوا لو جعلوا ترابا ، فكانوا هم والأرض سواء ، هذا قول الفراء في آخرين . قال أبو هريرة: إذا حشر الله الخلائق ، قال للبهائم ، والدواب ، والطير: كوني ترابا . فعندها يقول: الكافر: يا ليتني كنت ترابا .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 87 ] وقرأ نافع ، وابن عامر: لو تسوى ، بفتح التاء ، وتشديد السين ، والمعنى: لو تتسوى ، فأدغمت التاء في السين ، لقربها منها . قال أبو علي: وفي هذه القراءة اتساع ، لأن الفعل مسند إلى الأرض ، وليس المراد: ودوا لو صارت الأرض مثلهم ، وإنما المعنى: ودوا لو يتسوون بها . ثم في المعنى للمفسرين قولان .

                                                                                                                                                                                                                                      أحدهما: أن معناه: ودوا لو تخرقت بهم الأرض ، فساحوا فيها ، قاله قتادة ، وأبو عبيدة ، ومقاتل .

                                                                                                                                                                                                                                      والثاني: أن معناه: ودوا أنهم لم يبعثوا ، لأن الأرض كانت مستوية بهم قبل خروجهم ، منها قاله ابن كيسان ، وذكر نحوه الزجاج . وقرأ حمزة ، والكسائي: لو تسوى ، بفتح التاء ، وتخفيف السين والواو مشددة ممالة ، وهي بمعنى: تتسوى ، فحذف التاء التي أدغمها نافع ، وابن عامر . فأما معنى القراءتين فواحد .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: ولا يكتمون الله حديثا في الحديث قولان . أحدهما: أنه قولهم: ما كنا مشركين ، هذا قول الجمهور . والثاني: أنه أمر النبي صلى الله عليه وسلم وصفته ونعته ، قاله عطاء: فعلى الأول يتعلق الكتمان بالآخرة ، وعلى الثاني يتعلق بما كان في الدنيا ، فيكون المعنى: ودوا أنهم لم يكتموا ذلك .

                                                                                                                                                                                                                                      وفي معنى الآية: ستة أقوال . أحدها: ودوا إذا فضحتهم جوارحهم أنهم لم يكتموا الله شركهم ، وهذا المعنى مروي عن ابن عباس .

                                                                                                                                                                                                                                      والثاني: أنهم لما شهدت عليهم جوارحهم لم يكتموا الله حديثا بعد ذلك ، روي عن ابن عباس أيضا .

                                                                                                                                                                                                                                      والثالث: أنهم في موطن لا يكتمونه حديثا ، وفي موطن يكتمون ، ويقولون: ما كنا مشركين ، قاله الحسن . [ ص: 88 ] والرابع: أن قوله ولا يكتمون الله حديثا كلام مستأنف لا يتعلق بقوله: لو تسوى بهم الأرض ، هذا قول الفراء ، والزجاج . ومعنى: لا يكتمون الله حديثا: لا يقدرون على كتمانه ، لأنه ظاهر عند الله .

                                                                                                                                                                                                                                      والخامس: أن المعنى: ودوا لو سويت بهم الأرض ، وأنهم لم يكتموا الله حديثا .

                                                                                                                                                                                                                                      والسادس: أنهم لم يعتقدوا قولهم: ما كنا مشركين كذبا ، وإنما اعتقدوا أن عبادة الأصنام طاعة ، ذكر القولين ابن الأنباري .

                                                                                                                                                                                                                                      وقال القاضي أبو يعلى: أخبروا بما توهموا ، إذ كانوا يظنون أنهم ليسوا بمشركين ، وذلك لا يخرجهم عن أن يكونوا قد كذبوا .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية