الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                      صفحة جزء
                                                                      باب في الإمام يقبل هدايا المشركين

                                                                      3055 حدثنا أبو توبة الربيع بن نافع حدثنا معاوية يعني ابن سلام عن زيد أنه سمع أبا سلام قال حدثني عبد الله الهوزني قال لقيت بلالا مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم بحلب فقلت يا بلال حدثني كيف كانت نفقة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ما كان له شيء كنت أنا الذي ألي ذلك منه منذ بعثه الله إلى أن توفي وكان إذا أتاه الإنسان مسلما فرآه عاريا يأمرني فأنطلق فأستقرض فأشتري له البردة فأكسوه وأطعمه حتى اعترضني رجل من المشركين فقال يا بلال إن عندي سعة فلا تستقرض من أحد إلا مني ففعلت فلما أن كان ذات يوم توضأت ثم قمت لأؤذن بالصلاة فإذا المشرك قد أقبل في عصابة من التجار فلما أن رآني قال يا حبشي قلت يا لباه فتجهمني وقال لي قولا غليظا وقال لي أتدري كم بينك وبين الشهر قال قلت قريب قال إنما بينك وبينه أربع فآخذك بالذي عليك فأردك ترعى الغنم كما كنت قبل ذلك فأخذ في نفسي ما يأخذ في أنفس الناس حتى إذا صليت العتمة رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهله فاستأذنت عليه فأذن لي فقلت يا رسول الله بأبي أنت وأمي إن المشرك الذي كنت أتدين منه قال لي كذا وكذا وليس عندك ما تقضي عني ولا عندي وهو فاضحي فأذن لي أن آبق إلى بعض هؤلاء الأحياء الذين قد أسلموا حتى يرزق الله رسوله صلى الله عليه وسلم ما يقضي عني فخرجت حتى إذا أتيت منزلي فجعلت سيفي وجرابي ونعلي ومجني عند رأسي حتى إذا انشق عمود الصبح الأول أردت أن أنطلق فإذا إنسان يسعى يدعو يا بلال أجب رسول الله صلى الله عليه وسلم فانطلقت حتى أتيته فإذا أربع ركائب مناخات عليهن أحمالهن فاستأذنت فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم أبشر فقد جاءك الله بقضائك ثم قال ألم تر الركائب المناخات الأربع فقلت بلى فقال إن لك رقابهن وما عليهن فإن عليهن كسوة وطعاما أهداهن إلي عظيم فدك فاقبضهن واقض دينك ففعلت فذكر الحديث ثم انطلقت إلى المسجد فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قاعد في المسجد فسلمت عليه فقال ما فعل ما قبلك قلت قد قضى الله كل شيء كان على رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يبق شيء قال أفضل شيء قلت نعم قال انظر أن تريحني منه فإني لست بداخل على أحد من أهلي حتى تريحني منه فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم العتمة دعاني فقال ما فعل الذي قبلك قال قلت هو معي لم يأتنا أحد فبات رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد وقص الحديث حتى إذا صلى العتمة يعني من الغد دعاني قال ما فعل الذي قبلك قال قلت قد أراحك الله منه يا رسول الله فكبر وحمد الله شفقا من أن يدركه الموت وعنده ذلك ثم اتبعته حتى إذا جاء أزواجه فسلم على امرأة امرأة حتى أتى مبيته فهذا الذي سألتني عنه حدثنا محمود بن خالد حدثنا مروان بن محمد حدثنا معاوية بمعنى إسناد أبي توبة وحديثه قال عند قوله ما يقضي عني فسكت عني رسول الله صلى الله عليه وسلم فاغتمزتها

                                                                      التالي السابق


                                                                      ( بحلب ) : بفتح الحاء المهملة واللام اسم بلدة ( أنا الذي ألي ) : بصيغة المتكلم من الولاية أي أتولى ( ذلك ) : أي أمر النفقة ( منه ) : أي من النبي صلى الله عليه وسلم ( فإذا المشرك ) : أي ذلك المشرك الذي قال لبلال لا تستقرض من أحد إلا مني ( في عصابة ) : أي جماعة ( يا لباه ) : أي لبيك ( فتجهمني ) : أي تلقاني بوجه كريه . قال في القاموس : جهمه [ ص: 236 ] كمنعه وسمعه استقبله بوجه كريه كتجهمه ( فآخذك بالذي عليك ) : أي آخذك على رأس الشهر في مقابلة ما عليك من المال ، وأتخذك عبدا في مقابلة ذلك المال . قاله في فتح الودود ( فأخذ في نفسي ) : أي من الهم ( العتمة ) : أي العشاء ( كنت أتدين منه ) : أي آخذ الدين منه ( وهو فاضحي ) اسم فاعل مضاف إلى ياء المتكلم . قال في القاموس : فضحه كمنعه كشف مساويه ( أن آبق ) : أي أذهب وأفر ( إلى بعض هؤلاء الأحياء ) : جمع حي بمعنى قبيلة ( ما يقضي عني ) : أي الدين ( جرابي ) : بكسر الجيم وعاء من إهاب الشاء ونحوه وقراب السيف ( ومجني ) : المجن بكسر الميم وفتح الجيم وتشديد النون الترس ( حتى إذا انشق ) : أي انصدع وطلع .

                                                                      قال في النهاية : ومنه الحديث فلما شق الفجران أمر بإقامة الصلاة يقال شق الفجر وانشق إذا طلع كأنه شق موضع طلوعه وخرج منه انتهى

                                                                      ( عمود الصبح الأول ) : أي العمود المستطيل المرتفع في السماء وهو الصبح الكاذب دون الفجر الأحمر المنتشر في أفق السماء فإنه الصبح الصادق والمستطير . فبين الصبحين ساعة لطيفة فإنه يظهر الأول وبعد ظهوره يظهر الثاني ظهورا بينا . فالفجر الذي يتعلق به الأحكام هو الفجر الثاني فيدخل وقت الصوم ووقت صلاة الصبح بطلوع الفجر واستنارته وإضاءته وهو انصداع الفجر الثاني المعترض بالضياء في أقصى المشرق ذاهبا من القبلة إلى دبرها حتى يرتفع فيعم الأفق وينتشر على رءوس الجبال والقصور المشيدة . والمعنى أني أردت أن أسير في الصبح [ ص: 237 ] الكاذب لكيلا يعرفني أحد لظلمة آخر الليل والله أعلم ( ركائب ) : جمع ركوبة وهو ما يركب عليه من كل دابة ( بقضائك ) : أي ما تقضي به الدين ( ما فعل ما قبلك ) : أي ما حال ما عندك من المال هل قضي الدين أم لا ( قال انظر ) : أي اسع في إراحتي منه وانظر في أسبابه ( حتى تريحني منه ) : أي تفرغ قلبي منه بأن تنفقه .

                                                                      على مصارفه ( شفقا ) : أي خوفا ( وعنده ذلك ) : أي ذلك المال ( فهذا الذي سألتني عنه ) : المخاطب هو عبد الله الهوزني الذي سأل بلالا عن نفقته صلى الله عليه وسلم والحديث يدل على جواز قبول الهدية من المشرك ، ويعارضه حديث عياض بن حمار الآتي ، وسيأتي وجه الجمع بينهما .

                                                                      والحديث سكت عنه المنذري . وفي النيل رجال إسناده ثقات . [ ص: 238 ] ( فاغتمزتها ) : أي ما ارتضيت تلك الحالة وكرهتها وثقلت علي . كذا في فتح الودود .




                                                                      الخدمات العلمية