الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            [ ص: 487 ] تفسير مهر مثلها ، من الجامع من كتاب الصداق وكتاب الإملاء على مسائل مالك

                                                                                                                                            قال الشافعي ، رحمه الله : " ومتى قلت : لها مهر نسائها ، فإنما أعني نساء عصبتها ، وليس أمها من نسائها وأعني نساء بلدها " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وهذا صحيح ، إذا استحقت المرأة مهر مثلها في الموضع الذي يجب لها مهر المثل ، وقد مضى في مواضعه وجب أن يعتبر مهر مثلها في حالتين : إحداهما : في منصبها .

                                                                                                                                            والثانية : في صفات ذاتها .

                                                                                                                                            فأما المنصب فمعتبر بنظيرها في النسب .

                                                                                                                                            وقال مالك : معتبر بنظيرها في البلد ، فغلب اعتبار البلد على اعتبار النسب ، وهذا فساد ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قضى في بروع بنت واشق بمهر نسائها ، والميراث .

                                                                                                                                            ولأن الأنساب معقودة في المناكح دون البلدان ، ولأنها من صفات الذات اللازمة ، ولأن أهل البلد قد يختلف مهورهم باختلاف الأنساب ، وإذا وجب اعتبار النظير في النسب ، وجب اعتبار نظيرها من نساء العصبات من قبل الأب ، ولا اعتبار بنساء الأم ولا بنساء ذوي الأرحام .

                                                                                                                                            وقال أبو حنيفة وابن أبي ليلى : هما سواء ، فيعتبر بنساء أهلها من قبل الأب والأم من العصبات وذوي الأرحام .

                                                                                                                                            وهذا فاسد ؛ لأن النسب معتبر بالأب دون الأم ، وكذلك كان ولد العربي من النبطية عربيا ، وولد النبطي من العربية نبطيا ، فاقتضى إذا كان منصب النسب معتبرا أن يكون من قبل الأب الذي ثبت به النسب دون الأم التي لا يلحق بها نسب .

                                                                                                                                            فصل : فإذا ثبت اعتبارها بنساء عصبتها ، فأقربهن الأخوات ، فيعتبر الأخوات من الأب والأم ، والأخوات من الأب ، ولا اعتبار بالأخوات من الأم ؛ لأنهن مشاركات في الرحم دون النسب .

                                                                                                                                            فلو اجتمع أخوات لأب وأم ، وأخوات لأب ، ففيهن وجهان :

                                                                                                                                            [ ص: 488 ] أحدهما : أنهن سواء .

                                                                                                                                            والثاني : أن اعتبار الأخوات من الأب والأم ؛ لاجتماع السببين ، فهن مقدمات على الأخوات من الأب .

                                                                                                                                            ولا اعتبار ببنات الأخوات ، ثم بنات الإخوة وبنيهم ، ثم العمات دون بناتهن ، ثم بنات الأعمام وبنيهم ، ثم عمات الأب دون بناتهن ، ثم بنات أعمام الأب وبنيهم ، ثم كذلك أبدا في نساء العصبات .

                                                                                                                                            فإذا عدم العصبات ، ففي اعتبار نساء المولى المعتق وجهان :

                                                                                                                                            أحدهما : يعتبرون ؛ لأن المولى عصبة .

                                                                                                                                            والثاني : لا يعتبرون ؛ لأنه لا يلحق بالمولى نسب ، وإن جرى في التعصيب مجرى النسب .

                                                                                                                                            فصل : فإذا ثبت أن الاعتبار بالعصبات دون الأمهات ، فقد قال الشافعي : أعني نساء بلدها ، فيكون الاعتبار بمن كان من عصباتها في بلدها دون من كان في غيره ؛ لأن للبلدان في المهور عادات مختلفة ، فتكون عادات بعض البلدان تخفيف المهور ، وعادات بعضها تثقيل المهور ، فاقتضى أن يكون ذلك معتبرا ، كما تعتبر قيمة المتلف في موضع إتلافه ؛ لأن القيم تختلف باختلاف الأمكنة ، فلذلك وجب اعتبار البلد مع نساء العصبات .

                                                                                                                                            فهذا حكم المنصب .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية