الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
        صفحة جزء
        المطلب الثالث: حكمها

        أما حكمها التكليفي: فمستحبة، حكي الإجماع على ذلك، ما لم يترتب على ذلك محظور.

        قال الشربيني: "وانعقد الإجماع على استحباب الهبة بجميع أنواعها...، وقد يعرض لها أسباب تخرجها عن ذلك: منها الهبة لأرباب الولايات والعمال، فإنه يحرم عليهم قبول الهدية من أهل ولاياتهم ممن ليست له عادة بذلك قبل الولاية كما هو محرر في محله، ومنها: ما لو كان المتهب يستعين بذلك على معصية".

        ويستحب أن يعلمها ولده، ففي مجمع الأنهر: « قال الإمام أبو منصور:

        [ ص: 39 ] يجب على المؤمن أن يعلم ولده الجود والإحسان كما يجب أن يعلمه التوحيد والإيمان; إذ حب الدنيا رأس كل خطيئة".

        قال ابن القيم: « والأمة مجمعة على جواز أكل الهدية، وإن كانت من فاسق أو كانت من صبي، ومن نازع في ذلك لم يمكنه العمل بخلافه، وإن قاله بلسانه".

        وقال: "الهدية إذا شرفت وخرجت عن حد الحقارة وقعت موقعا حسنا عند المهدى إليه، ودلت على شرف نفس المهدي، وكبر همته".

        قال النووي: "قال أصحابنا: وفعلها مع الأقارب ومع الجيران أفضل من غيرهم ; للأدلة المتكاثرة في فضل صلة الرحم، وإكرام الجار".

        ويهدي القليل والكثير: قال النووي: "ينبغي أن لا يحتقر القليل فيمتنع من إهدائه، وأن لا يستنكف المهدى إليه عن قبول القليل".

        (1 ) لما رواه البخاري ومسلم من طريق المقبري، عن أبيه، عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يا نساء المسلمات لا تحقرن جارة لجارتها، ولو فرسن شاة".

        قال الشيخ ابن باز: "وفي الحديث الحض على التهادي ولو باليسير; [ ص: 40 ] لأن الكثير قد لا يتيسر كل وقت، وإذا تواصل اليسير صار كثيرا، وفيه استحباب المودة وإسقاط التكلف".

        قال ابن بطال: "قوله: (اتقوا النار ولو بشق تمرة ) حض على الصدقة بالقليل، وقد تصدقت عائشة بتمرة، وتصدقت بحبة عنب، وقالت: كم فيها من مثاقيل الذر، ومثله قوله صلى الله عليه وسلم لأبي تميمة الهجيمي: "لا تحقرن شيئا من المعروف ولو أن تضع من دلوك في إناء المستقي".

        والصدقة في معنى الهبة.

        (2 ) ولما روى البخاري من طريق شعبة، عن سليمان، عن أبي حازم، عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لو دعيت إلى ذراع أو كراع لأجبت، ولو أهدي ذراع أو كراع لقبلت".

        قال ابن عبد البر: "وفي رسول الله صلى الله عليه وسلم الأسوة الحسنة كان يهدي إلى أصحابه وغيرهم...".

        ويستحب أن يقدم أقاربه في هديته ; (3 ) لما روى البخاري من طريق كريب مولى ابن عباس، أن ميمونة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم أعتقت وليدة، فقال لها: "لو وصلت بعض أخوالك كان أعظم لأجرك".

        وذوي الفضل والعلم ; (4 ) لما روى البخاري من طريق هشام، عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها: "أن [ ص: 41 ] الناس كانوا يتحرون بهداياهم صلى الله عليه وسلم - يوم عائشة، يبتغون بذلك مرضاة رسول الله صلى الله عليه وسلم".

        وأقرب الجارين بابا.

        (5 ) لما روى البخاري من طريق طلحة بن عبد الله، عن عائشة رضي الله عنها قالت: يا رسول الله إن لي جارين فإلى أيهما أهدي؟ قال: "إلى أقربهما منك بابا ".

        وتحرم إذا كانت في موضع الرشوة كهدايا العمال كما سيأتي.

        وتكره كما نص الحنابلة إذا كانت مباهاة أو سمعة أو رياء.

        (6 ) لما روى البخاري ومسلم من طريق سلمة بن كهيل، عن جندب العلقي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من يسمع يسمع الله به، ومن يرائي يرائي الله به".

        ويظهر أن الاقتصار على الكراهة حال السمعة والرياء فيه نظر; لما تقدم من الحديث; إذ دل على عقوبة شديدة لا تكون إلا على ذنب عظيم.

        ولأن الرياء نوع من الشرك الأصغر.

        وتباح الهبة: إذا كانت لجميع المال بشرطه.

        [ ص: 42 ]

        التالي السابق


        الخدمات العلمية